إن وضعنا في دولة كموريتانيا مثير للشفقة و الاستغراب و الحنق، تشغل مسرحنا شخوص لا أمل فيها في كل المجالات مع الاستثناءات طبعا، في السياسة في الثقافة في التعليم في الصحة في الاعلام.. تنظر لهنا و أنت ترى بصيص أمل يوم أو اثنين و يختفي ليتحول كابوس يأس مطلق.
إن أكبر ما نعانيه قبل كل شيء "العقد" مجتمع من الاطارات الوهمية، مع بدايات الحراكات في العالم العربي بدأ حراك في موريتانيا و كان هنالك امل أن نخبة مثقفة من الشباب الموريتاني نضجت و صارت مستعدة لصناعة التغيير الذي تأمله أجيال تنتظر منذ أزيد من عقد، فظهرت حركات ك 25 فبراير و حركات أخرى ، و كنا ننظر بأمل كان ذلك بصيصا ما فتيء أن تحول كابوسا مظلما مرعبا، حين احتوت الاحزاب السياسية المقيتة و القبيلة بأهدافها القذرة ووسائلها كل شيء و بدأ الجميع ينادي باسم القبيلة و الحزب محاطا بعقده. ما حصل أن الوضع و الجرح تعمق فتعمقت القبلية و زاد ضجيج احزاب السياسة العبثية. و ازداد وضع البلد تعقيدا و تأزيما و بعد الحل و التغيير مسافة أطول.
ثم في النهاية أنعكس الامر على النخبة فتعمقت العقد لديها، فصارت تبحث في أوهامها عن ثورة لم توفر لها الأسباب في حالة عجز مطلقة، فالصراخات الواهية التي لا تنطلق من قناعة أكثر من أن تكون رغبة قبيلة أو وجهة حزب ليست هي التي تصنع الثورات إطلاقا مهما كان الاعلام هاويا و سخيفا. الثورة أعظم و أغلى قليلا من ذاك ، من أن تنطلق لرغبة قبائل أو احزاب لا تعرف في ابجديات السياسة شيئا.
امام حالة عجز هذه """النخبة"""" المطلق و الواضح ، أصابتها نوبة "هستيريا ثورة" و "احباط" فصارت تلصق الإسم بكل شيء، تنادي بائعة سمك في نواذيبو أن مثلجها لم يعمل و فسد سمكها فيقولون "ثورة السمك" ينادي شيخ محظرة أن طلابه لم يحضروا فيقولون "ثورة محاضر" تنادي مجموعة تعاني نقص أو انعدام ماء فيقولون "ثورة الماء" ربما حين لا يجد رجل في اقصى الشرق أو الجنوب اللبن في بقرته سيقولون : ثورة اللبن، ثم ثورة السكر ، و ثورة اللحم قريبا، و جاءوا بمصطلح ثورة الحمالين ، و لاحقا انتظروا كثيرا من الثورات التي لا تتجاوز مصلطحا يرميه هاو على عجل ، يغتال به قضايا هؤلاء العادلة و يسرق استماتتهم في الدفاع عن حقهم ، تماما كما اغتالت القبيلة و رجال السياسة الأغبياء حلم ثورته.
ما نحتاجه ليس جيلا مصابا بهوس و لا تنتابه هستيريا و لا يريد صناعة التغيير بمصطلحات طائشة نحتاج جيلا متحررا من املاءات القبيلة كافرا بسياسة يعرفه كل المعرفة أن كل من فيها تجار و باعة و سوقيون و سافلون و لا يصلحون لشيء. نحتاج جيلا يخرج من عباءة القبلية و يرمي اصحاب الفضفاضات باحذيته حينما يقفون لاستعراض انجازاتهم على شاحنة في ساحة عمومية. جيلا يعرف أن سيبدأ من صفر بداية لا شيخ قبيلة فيها و لا رئيس حزب ........
و اتركوا الجميع يدافع عن حقه ، ثوروا أنتم و دعوا الاخرين يدافعون عن حقوقهم بعيدا عن مصطلحاتكم الجوفاء، التي تفرغ القضايا من قيمها. ثوروا انتم أو عيشوا مع عقدكم الثورية و عجزكم و دعوا الاخرين يصرخون رفضا طالبين لحقوقهم.
و اخر ما كان ينقصنا أن تكون لنا حراكات مصنفة جهوية و قبليا فشباب كذا و شباب كذا و شباب كذا و اخيرا قبيلة كذا و كل هذا من اعلام الهواة... هل تعرفون أنها قمة التأخر و السفالة و انحطاط قيم المواطنة أن نجعل من كل قرية بلد مستقلا يطالب بالماء و الكهرباء ، إن كنت انت عطشان فانا عطشان فلا تسميها من فضلك "شباب كذا ..." فأنا عطشان معك لكن من شباب موريتانيا
تصبحون و تمسون على وطن بعيدا عن قبلية مقيتة و ساسة رعاة و تجار و اعلام هواة ...