بين خوف من فشل المشروع و طمع في إفشاله

جون كيري أقحم نفسه مرات في الوضع، نعم فهذه من الفرص التي لا تكتفي فيها
أمريكا بالتفرج إطلاقا ، و علق تعليقات ، جاء الرد عليها مستندا على قاعدة يحق أو
لا يحق، و مؤكدا على الحالة الديمقراطية التي تعيشها تركيا. في الخطابات المضادة ،
جاءت كلمات كمال كيليتشداراوغلوا رئيس حزب
CHP أهم احزاب المعارضة، بحيث اكد أن تدخل الشرطة جاء
استنادا على تعليمات صادرة من أردوغان نفسه، و أكد أنه لا يفهم لماذا أردوغان هو
رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس البلدية و المتحكم في كل شيء. و قال أن
المتظاهرين كانوا يقرؤون الكتب و يتسامرون و دون سبب أو سابق انذار تدخلت الشرطة.
وقال أنه يجب السماح للشباب بأن يعيشوا حياتهم كما يشاؤون و كما يرغبون. و كمظاهر
لما يحصل و من بداية الحراك كل مساء وقت الغروب تفتح بعض الأسر نوافذ بيوتها و تدق
الطناجر مرددة المطالبة باستقالة أردوغان. الأمر الذي رد عليه الاخير في الخطاب
الذي ألقاه عند وصوله عائدا من شمال افريقيا قائلا: نحن لا نحمل الطناجر بل نحمل
الحواسيب لنواصل بناء دولتنا. و قال : هذا شيء رأيناه من قبل و سوف ينتهي.
تجدر الإشارة إلى انه بعد الأيام الاولى من الحراك، تدخلت فرقة تسمى
"تشارشي" و هي من مشجعي فريق بشكتاش
و لعب الدور الأهم في الأحداث التي حصلت بعد ذلك و تحصل، و ينتشر الآن في
شوراع اسطنبول باعة أقنعة الغاز و نظاراته كما كل الجدران و الأضيات تم صبغها
بالألوان المختلفة و تمت كتابة شعارات مختلفة عليها، و فيما يرى البعض ان الأحداث
لن تطول و سيتم التوصل إلى حل بشأنها، و بأن القضية قضية أيام، يرى البعض الآخر
انها ستأخذ وقتا خاصة و أن الفترة فترة الصيف و بداية العطل. و في انتظار ذلك
يعاني ملف اسطنبول المقدم لاستضافة أولمبياد 2020 ، و الأشغال متوقفة كليا في
منطقة تاكسيم و النقل من و إلى المنطقة صعب بل أحيانا غير ممكن. و يأتي الامر في
بداية موسم سياحي كان الكثيرون فيه حول العالم يحزمون حقائبهم إلى اسطنبول.
و عند عودته و في ساعات فجر الجمعة الاولى ، بدا و كأن حزب العدالة و
التنمية أراد أن يبعث بطريقة أو بأخرى برسالة إلى الجهة الأخرى، فاحتشد حوالي مائة
ألف شخص حول مطار أتاترك لإستقبال أردوغان. و في كلمة له دامت دقائق أكد على أنه و
انصاره لا يريدون الصدام مع و عرج على
قضية الخمسين في المائة و قال انه يتحدث إلى اكثر من سبعين مليون تركي. التجاذبات
لا تزال في أوجها و الإعلام يحرك كل شيء. على المستوى الخارجي في البرلمان
الأوروبي الانتقادات لحزب العدالة و التنمية تتزايد و جون ما كين من امريكا اكد أن
اردوغان يتصر كالديكتاتور حسب قوله.
و الحراكات لا زالت متواصلة خاصة في انقرة و ازمير و اسطنبول ، و يرجع
المتابعون الأمر إلى أن انقرة و ازمير تضمان العدد الاكبر من مؤيدي المعارضة. و
لليوم الحادي عشر الآن تتواصل هذه الأحداث. و انكار الدور الاجنبي و إن كان بشكل
غير مباشر لا يمكن تبريره، ففشل حزب العدالة و التنمية يعني إعلانا رسميا لوفاة
المشروع الإسلامي السياسي و هو امر يخدم الكثيرين من معارضي هذا المشروع و مناهضيه
و حتى المعتقدين بالمطلق في عدم نجاعته. كما أن استمرار هذا المشروع هنا و نجاحه
في تحقيقه كل أهدافه على المستويين المحلي و الدولي يبعث برسائل ربما يقرؤها البعض
على أنها خطيرة و قد تخل بالتوازن الإقليمي و الدولي القائم على استراتيجيات رسما
القوى الحاكمة في العالم و لا تريد أي معطى اقتصادي أو سياسي او ثقافي او اجتماعي
يخل بها.
و بين متخوف من فشل المشروع و طامع في ثورة تقتلعه من جذوره، تبقى عشر
سنوات تزيد شاهدة على مشروع كل أسهمه خضراء و نهض بأمة و يشهد له أنه الوحيد في المنطقة
الذي يتجه للمستقبل. عشر سنوات تشهد على أن هذا المشروع نجح في أن يوازن بين كل
المتناقضات و يصهرها كلها في قالب ديمقراطي دستوري يضمن حقوق الجميع.
الديمقراطية ... الثورة .... الديكتاتورية
إن الثورة قيمة
أعمق و معطى أدق من أن لا يكون لها سبب وجيه. الثورة ليست وليدة لحظات و لا شعارات
و لا خطابات، بل وليدة ظلم و قهر ووضع قاس وليد تشكل بل حالة طحين حد الإنعدام. لا
يمكن خلق ثورة من الفراغ. فهي أغلى من ان نبتاعها أو نبيعها في سوق نخاسة سياسي
غير نزيه. و الديكتاتورية أوضح من أن ينخدع أي كان بتفسيرات واهية لها و نعوت لا
تقوم على أي أساس، و الديمقراطية مهما بلغت مرونتها و مهما أتقن اللعب بها و لي
عنقها يبقى لها معنى ناصعا متمثلا في احترام الدستور و الوصول بشرعية إلى الحكم و
العمل على مشاريع إنمائية و البراء من اللعب او التلاعب بموارد و مقدرات الشعب و
ضمان أفضل مستوى عيش ممكن للمواطن. و إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية محاطة
بالثلاثية هذه و تجلياتها نجد بوضوح أنه لا مبرر لثورة إلا إذا كانت ثورة على
الديمقراطية و التنمية و التطور، و لا مبرر لإطلاق مصطلح ديكتاتور إلا إذا كنا نحن
في افريقيا لا نعرف ما يعنيه أن تكون ديكتاتورا كان عليهم أن يسألونا فلقد جربنا
كل انواع الدكتاتوريات. و الديمقراطية كمعطى هي معطى يعيش فيه مجتمع على اختلاف ايديولوجياته.
تكون مظاهر الثورات مشبعة بشعارات تعدد سلبيات و سيئات الوضع المثار عليه، لكن
أن تكون الشعارات فقط شعارات عامة و
المظاهر تتمثل في انتشار قناني الأفس و تداولها مصحوبه بالألعاب النارية و التصفيق
و الرقص فالوضع أقرب ما يكون لإحتفال عادي مع قدوم صيف 2013 أكثر من كونه ثورة
لولا تخلل الوضع تخريب بعض المصالح العامة و تعطيل مركز حيوي من مراكز مدينة حيوية
كانت تستعد لاستقبال زوار صيفها. مع ذلك فإن الوضع يستدعي تفهما و حنكة في تسييره
حتى لا ينفلت .
الجزء الثالث