العشرية الخضراء
إن حقيقة أن تركيا في
ظل هذه الحكومة و في العشر سنوات الأخيرة حققت على كل الصعد نجاحات و انجازات
شاهدة ليست كتلك في عالمنا العربي التي نراها فقط في الخطابات و الشعارات. بل
أرقام تشهد لها التقارير، من القفز بترتيب تركيا عالميا إلى علاقتها بالبنك الدولي
و حضورها على الساحة العالمية و الاقليمية و الوزن الذي صارت تحظى به، فوق ذلك
حالة الإكتفاء في مجال التعليم و الصحة و النمو الاقتصادي و المعماري المتسارع. في
سنوات عشر تحولت تركيا من
الرقم 27 للرقم 17 عالميا ، حقق اقتصادها نموا تصنفه بعض الدراسات على أنه الثاني
عالميا بعد الصين، ارتفعت مستويات إجمالي الناتج المحلي بمقدار يزيد عن ثلاثة
أضعاف فوصلت 786 مليار دولار أمريكي في عام 2012 بعد أن كانت 231 مليار دولار
أمريكي في عام 2002، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى 10504 دولارًا
أمريكيًا عن مستواه السابق البالغ 3500 دولار أمريكي في نفس الفترة.
و ساهمت السياسة المتبعة لتسيير
الاقتصاد التركي في تعزيز التجارة الخارجية، فوصل حجم الصادرات 153 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2012 بعد
أن كان 36 مليار دولار أمريكي في عام 2002. وبالمثل، ارتفعت إيرادات السياحة من 8,5
مليار دولار أمريكي تقريبًا في 2002 لتصل 25 مليار دولار أمريكي في 2012.
و تعمل الحكومة حاليا على
استراتيجية 2023 مشكلة لجنة خبراء استراتيجية بموجبها تكون تركيا ضمن أقوى عشر
اقتصادات عالميا إضافة لمشروع مطار سيكون الأكبر في أروبا و شركة طيران مصنفة في
المراتب الأولى عالميا و من مستدين تحولت إلى دائن، مع المناورة المحبوكة بخصوص
الانضمام لأوروبا و التركيز على البدائل. كل ذلك يشهد به البعيد قبل القريب. إن
لكل دولة و أمة الحق في وضع أهدافها و العمل على تحقيقها حتى لو كانت هذه الأهداف
لا تخدم الآخر أو لا تسعده، مثلا إن كان لحكومة أردوغان هدف توسعي أو حتى استعماري
مع ان استعماري بالمعني التقليدي للكملة ولى زمنها. لكن في العالم العربي لا نصلح
لوضع أهداف لنا و لا مسارات، نتقن فقط أن نحلل أهداف الآخرين و نحكم على نياتهم و
نقرأ ضمائرهم، يشتغل الآخر و يبدع و
ننشتغل نحن بالحكم على عمله حلال أو حراما، مؤامرة أو متاجرة، ذاك مجال إبداعنا.
فيما يبدع الغرب في صياغة العناوين و التقارير و استخدام الشعارات الفارغة لجر كل
شيء للطريق التي يريدها.
ثنائية اليأس و الإحباط
إضافة للرباعية السالفة الذكر، كانت المعارضة التركية عموما تعيش حالة نفسية
حرجة في ظل يأس مطلق من واقع انجازات محليا و دوليا لا يدع مجالا حتى للأسئلة،
فذهبت للموقف من ما يجري في سوريا و قبل هذه الحادثة كان هو كل ما تتحدث عنه
المعارضة التركية، بأن الرجل يولي سوريا و أهلها أهمية أكثر مما يوليها لتركيا و
شعبها. ثم بعد حادثة الساحة العامة وجدت موجة لتركبها. كابرت في البداية قائلة بأن
الاحتجاجات لا علاقة لها بالسياسة و أنها تتعلق بجماعات مدنية بيئية، ثم تجاوزت
تلك النقطة، وحين تسأل عن سبب المطالبة برحيل الرجل، تجيب: ديكتاتور. إن مصطلح
الدكتاتورية ليس مرنا حتى الآن بقدر ماهي الديمقراطية ليتم لي عنقه حسب هوى معارضة
ليس في حالة صحية نفسية متزنة. حين تصل المعارضى لمرحلة تعارض فيها مشاريع النمو و
المشاريع الاقتصادية بحجج واهية فمعنى ذلك أنها في أسوأ حالاتها النفسية و تنتابها
حالة إحباط و اكتئاب قد تصل حد الإنتحار أو و التضحية بكل شيء حتى وطن يتألم
الأجنبي لوضعه القائم قبل المواطن.
إن حالة التوازن التي تعيشها تركيا الآن بحيث تستوعب العلمانية و الاسلام
السياسي المعتدل و النظام الاقتصادي الحديث و المعطى التعليمي المتطور، و التجلي
الديمقراطي المتماسك هي حالة استثنائية ليست فقط في الشرق الأوسط بل في العالم. لا
يعني ذلك أن الحكومة القائمة أو النظام الحاكم نظام مثالي، بل فقط أن الحقيقة التي
يلاحظها أي متابع رغم كل الهنات و السقطات و الازمات الاجتماعية المعاشة، إلا أن
احترام الدستور و اتباع المعطى الديمقراطي المتزن هو وحده الضامن لحالة النمو و
السهم التصاعدي. مادام هنالك احترام للقانون و احترام للسلم الديمقراطي و عمل على
تطوير و تحسين مستوى المعيشة و شفافية مطلقة في تسير شؤون الدولة لا مكان لمصطلح
الديكتاتورية. الأمر كأن يسألك أحد: لماذا تتظاهر ضد فلان؟ لأنه ليس ديمقراطي. كيف
تفهم في ظل معطى يقول بأن الشخص وصل بانتخابات و قام بكل ما يقوم به في ظل القانون
و الدستور. حين يتحدث "أردوغان" في تركيا مؤيدوه يستمعون إليه و أغلب
معارضيه يقلبون القناة عادة لأن الرجل حين يتكلم يقنع فحين تقول فعلنا و لدينا
الإستراتيجية كذا و كذا لنفعل فأنت لا تعرف الطريق. و حين تعارض فقط لتعارض، لست
مؤهلا بعد لإستيعاب معطيات الديمقراطية.
أردوغان يريد وضع نقاط على بعض الحروف
في أول ردود فعل الحكومة على تدخل الشرطة، تحدث رئيس الوزراء اردوغان و اعترف
و لو ضمنا بما سماه عنف ربما زائد قليلا من الشرطة. و استعرض بعض الأنجازات ، ثم
وقف عند قضية "البارك" و قال أنه في العشرية الأخيرة تم إعداد و تأهيل
ما يزيد على تسعين ساحة عمومية في اسطنبول وحدها و مؤكدا على الأهمية التي تم و يتم إيلاؤها للبيئة ، وعاد ليقول لكن الأمر لا يتعلق بالأشجار بل
بالإيديولوجيا و السياسة. بخصوص الخمر، قال أنهم كحكومة مسؤولة عن حماية و أمن
الشعب فإن تزايد العنف و ما يسمى "إرهاب الطرقات" مرده الفوضوية في شرب
الكحول و أوقات و أماكن استخدامها، و رد على صحفية حين سألت ماذا عن تحريم الخمر؟
قال : هو ليس تحريم بل تنظيم. بموجب هذا القانون سيتم تحريم شرب الخمر على مسافة
مائة متر من كل معلم ديني. و يتم ضبط أماكنه بعد الساعة العاشرة ليلا. في مؤتمر
لاحق، أكد على نيتهم مواصلة المشروع، مؤكدا أن ما يحصل هو لمصالح أخرى. و مؤكدا على أهمية المشروع. ثم عاد في خرجة اخرى
ليقول بخصوص من يتحدثون عن ربيع تركي، و قال : أنا وصلت إلى هنا بانتخابات
ديمقراطية، و قال أن أكثر من نصف هذا الشعب اختاره. ربما لم تكن خرجاته استيعابية
بقدر ما كانت خرجات صريحة يضع فيها نقاطا معينة على حروف يشعر أنها مبهمة. بعد هذه
الخرجات التي جاءت كلها في صيغة مؤتمرا أو كلمات مقتضبة حلق في رحلته إلى شمال
افريقيا، ليستمع في الجزائر إلى شعر من أرض "الكارادانيز" من فتاة
جزائرية.
..... يتواصل في الجزء الثالث