فجر السبت الماضي و على مدى يومين أغار الطيران الإسرائيلي على مواقع سورية ،
تباينت التعاليق حول طبيعتها حسب المعلقين، فاسرائيل قالت أنها استهدفت اسلحة
إيرانية صواريخ و بطاريات كانت في طريقها إلى حزب الله في جبل قسيون، و سوريا قالت
أن الهجوم استهدف مختبرا علميا في ريف دمشق. بين هذا و ذاك الحقيقة المطلقة أن
الطيران الجوي العسكري نفذ هجوما في الأراضي السورية. الجديد ليس الهجوم فلربما هو
الثالث من نوعه بعد هجوم عام 2007 و هجوم يناير 2013 و طلعات أخرى متكررة، الجديد
هو ردة الفعل العربية الشعبية و الإعلامية و الرسمية و حتى ردات فعل بعض المثقفين.
لم يتخيل أحد يوما أن يأتي يوم يكون فيه هجوم اسرائيلي حتى على الشيطان نفسه
موضع تأييد من عالم و منطقة عانت ويلات و تعانيها بسبب وجود هذاالكيان في المنطقة.
لكن للأسف اعتاد العرب التصفيق. نعرف فقط أن نصفق لكل شيء و لأي شيء حتى عدوان
صهيوني على أرض عربية. حتى التنديد نسيناه، لم نعد نعرف كيف نندد.
المتتابع للمواقف العربية في العقود الأخيرة من القمة للمواقف الفردية يجد
أبرز مواقفنا التي نفتخر بها هي تلك التي صفقنا فيه على اختلاف من صعد المسرح.
صقفنا للحرب و القصف و الصمت. و مثقفونا يجيدون جدا أن يبرروا التصفيق قبله و بعده
و أثناءه حتى حين يكتشف لاحقا أن العرض كانت كذبة حبكت و طبخت بعيدا عنا ، بالطبع
هي تطبخ بعيدا عنا فنحن مستهلكون من الطراز الأول و الرفيع. و يلهينا التصفيق عن
التحقق من طبيعة الموائد. من تدمير العراق المسلسل المتواصل حتى اليوم بحلقاته
الدموية و المؤلمة إلى الاعتداءات المتكررة على لبنان إلى قصف غزة و رؤية الأشلاء
مبعثرة على الأرصفة و في الساحات و ركام البيوت يختلط بأشلاء الأجساد، سجل لنا
التاريخ دائما التصفيق و التنديد مع إمكانية أن تتصور أمة وجودها في العالم مختصر
على تنديد يلقي به وزير لوسيلة إعلامه الرسمية أو وسائلنا العربية التي تهتم
بمحاكاة برامج الواقع الغربية أكثر من انشغالها بهم الإنسان العربي المهموم و
المغضوب عليه بعروبته. لم نقف يوما موقفا واحدا حازما و مشرفا ربما من السبعينات
على أقرب تقدير. كانت كلها ردات فعل بلغة مهترئة من وزير بائس.
ما كان ينقصنا أن نعرف أنه بعد الثورة سيتغير موقفنا و ننتقل لمرحلة جديدة هي
مرحلة التصفيق و تأييد اسرائيل و نكتشف أن ربيع العمر العربي الذي راحوا في
البلدان العربية دفاعا عن الحق في الحياة الكريمة للإنسان العربي و إيمانا بهذا
الإنسان و رفضا و صراخا في وجه حقبة طحن فيهاالإنسان العربي و غلي و عجن و عفن في
ظل أنظمة دكتاتورية تحكم كدمى بأجندة خارجية، تصيغ الديمقراطية و الحقوق و
مفاهيمها على مزاجها و بما يتماشى مع أجندتها. المرحلة الجديدة التي انتقلنا إليها
هي جديدة في طريقتها لكنها دائما في ظل التصفيق، الظاهر أن التصفيق حالة صداع صارت
تنتاب المثقف العربي كصداع القهوة و الشاي، فالثورات العربية و الحراكات الشبابية
لم تستهو المثقفين و لا الكتاب العربي ليكتبوا فيها و سيسجل التاريخ في حالما أدت
هذه الحراكات إلى تغيير الواقع العربي المهين سيسجل أنه حراك التغيير الشامل الأول
في العالم الذي لم تكن مشاركة المثقفين و الكتاب فيه بارزة. الكتاب و المثقفون
الذين كانوا على الهامش هم من ساهموا في الحراك و جاء الآخرون ليقطفوا ثمارا اتضح
لهم لاحقا أن قطفها لا يزال يتطلب وقتا لا يمكن أن يصبر عليه إلا الذين زرعوها.
كتابنا و مثقفونا لم يخرجوا بعد قوقعة الكلمة المحدودة المدفوعة الثمن التي
فرض عليهم العيش فيها منذ تخرجوا من جامعة للأنظمة التي تهاوت و رمى بهم للشارع
إلى أن اعلنوا ولائهم فاحتضنهم و احتضن أقلامهم رغم الإستثناءات طبعا.
لا زال الكاتب و المثقف العربي كما هو في حين العالم يغلي و يقارب الإنفجار،
تجده هو مشغولا بتقديم تفسيرات و تعريفات للماركسية و الشيوعية و الوسطية و
الممانعة و الشر و الخير تجده غارقا حتى الأذنين في ألقاب لا تقدم و لا تؤخر هي
وسائل السيطرة عليه و على أمته و امتلاك و احتجاز عقله في حيز ضيق. المثقف العربي
مولع بالتصنيفات ستبتلع النيران فلسطين و أهلها و هو منشغل بتعريف الممانعة و
المحور. لم يقدم الكاتب و المثقف العربي يوما بديلا و لا رؤية للإنسان العربي ظل
دائما عالة عليه. لربما أقصى حد يمكن لهذا المثقف وصوله أن يحاول اليوم و بأي داع
من الدواعي أن يبرر أو يبارك العدوان الإسرائيلي على سوريا.
حقا زمن النذالة و الرذالة و الضياع، جرب الإنسان العربي بقيادة مثقفيه و
كتابه كل أنواع الذل و الإحتقار و هاهم يصلون به مرحلة الوقوف بين مصفقين و صامتين
خلف الآلة العسكرية تقصف سوريا، بحماقة و سفاهة يريد إقحام حكومة و نظام مقحمين
أًصلا و يعرفون أصلا كم هم أنذال و سافلون. يقول أحدهم : لماذا لا يرد النظام
السوري على إسرائيل و يقول آخر قصفت سوريا مرارا و تكرارا و لم يرد. و يقول آخرون
ليذهب إلى الجولان. مهما بلغ النظام السوري من حقارة و من وحشية و عنجهية فلا يحق
لنا كعرب أن نعلن تأييد إسرائيل و كأننا ننتظر منها حلا. يا كتاب التملق و التشدق
و مثقفي المناسبات أحترموا عقل إنسان عربي حتى و هو في أقصى مراحل التدمر و
الإحباط. يقول مفكرون و يبقى مثقفون غارقون في تاطير آخرين بين ممانعة و خير و شر.
و ينتظر إنسان عربي بسيط و يقول: تبا لكم يا خراف.....