Friday, October 4, 2024

وارسو مدينة القلعة و الاجراس - المدينة ذات الشخصية الفاتنة


 خرجت من الفندق ، و برنامج الركض صباحا في المدينة استبدلته ببرنامج مشي عادي في البارك ، حيث ان الجو كان باردا و انا لست مهيئا له لا نفسيا و لا لوجستيكيا، تمشيت في بارك اخضر جميل تتوسطه قلعة حمراء انها قلعة فورت ليجيونو قلعة  دائرة الشكل قابعة تحت الارض تحيط بها الخضرة من كل مكان ، ثم واصلت طريقي لاقف عند نافورة جميلة ممتدة على نهر فيستولا انه ميلتيميديانلي بارك ، ثم فوقه تماما بعد صعود سلم خشبي جميل المنظر تنتصب كنيسة القديسة ماريا سكلودوفسكا و تمثالها المهيب ، ثم رويدا رويدا تدخل المدينة القديمة، عند المدخل على امتداد زقاق ضيق تحيط بها بنايات قديمة ملونة عريقة هناك قهوة بيلا ، كانت مناسبة لاحتساء الاسبريسو مع اني لم  اتناول الفطور بعد، بعد الاسبريسو توجهت متعمقا في عمق المدينة القديمة لاجلس الى ركن مقهى تو لوبي كافي ، القابع في الطابق الاسفل في الركن لكنيسة كوسيول جاكا الدومينيكان لا اعرف ما علاقتها بالدومينيكان و حاولت الحصول على معلومات و مازلت لم اتمكن في المقهى الى جانبي جاءت عائلة من اربع اشخاص ، اب و ام و بنت و حبيبها ، يظهر الملمح العربي على حبيبها رغم حديثه الطلق بالاسبانية ، البنت تحبه حيث من فترة لفترة ترتب جاكته و شاله و ارى الفرح و السعادة و الاطمئنان في عيني ابويها ، لا شك انهم بعد هذا العمر و بعد كل ما مرا به ان يرى ابنتهم مع شاب بكل القيم العربية الاصيلة و الهدوء و الاحترام سيفرحون، اتمنى فقط انه ليس من الباحثين عن الاوراق الثبوتية أو يستغل تلك الطفلة التي وضعت الحلق في انفيها و حول اذنيها و باد منها أنها مرت بحياتها بأمور كثيرة  تختلف كثيرا عن ما مر هو عليه أمور لا يستوعبها عقله العربي الذي اعتاد منذ ولادته الحروب و القصف من العدو و الصديق و الاخ و غيرهم ، ان كان سوريا فهو من جيل عايش ايامات الاسد ، و ان كان من العراق فقط عايش ايامات امريكا و  اي بلد عربي كان منه فله من الماسي و القصص ما يكفيه، المهم انه اذا كان من الباحثين عن الاوراق فإن ابوي تلك الفتاة سيصابون باحباط كبير صار عمرهم عصي على تحمله


جلست في قهوة غرين نيرو المطلة على تيراس ويدكوفي و الميدان في وسط المدينة القديمة ، موسيقى بلوز هادئة مع جو بارد في الخارج و رائحة القهوة و دفي المكان تضفي جوا كالنسيم الذي يلامس القلب و الروح ، عاملتان من الصباح دون توقف و لا راحة سيجارة او حمام حتى تحضرن القهاوي للقادمين ، نحيفة مسكون جسدها بالأوشام من كل الجهات ، في انفها حلقة هي الاخرى و حول عينيها مكياج اسود مختلف يمتد لاطراف وجهها  وواحدة اخرى ثخينة قليلا جميلة ملامح الوجه و بريئة البسمة ، 

لم تظهر شمس طيلة اليوم و لم تكن متوقعة و كان البرد  بدا يغطي المدينة المحتشمة و اصوات الكنائس من فترة لفترة تؤذن بوقت صلاة او قداس ما، اتجهت الى مكان قبر الجندي المجهول حيث يقف رجلا شقراوان عسكريان منتصبان في استقامة و صمت و هدوء و دون حركة خلفهما شعلة لا تنطفيء لروح الجندي المجهول و ورائهما نافورة مياه تحيط بها التماثيل من كل مكان و حديقة خضراء غناء جميلة الالوان و المنظر تعبؤ تماثيلا رجال و نساء نصف عاريات تفاصيلها في تناسق و تناظر مذهل ، من هناك احسست بحاجتي الى الحمص و اخذت ابحث عن مطعم شامي لبناني او سوري غير بعيد فكان مطعم بيبلون اللبناني على بعد خمس دقائق مشي مني،  دلفت الى المطعم الذي بادرني باللغة العربية ، و طلب الحمص و  التبولة و الكبه المقلية مع شاورما دجاج و جاء صاحب المطعم ليطمإن ان الأكل و كل شيء بخير ، ثم طلبت ساندويش فلافل لاخذه معي الى الفندق ، وصلت الفندق و تمددت لارتاح قليلا ، بعد ان لغيت موعدي مع السيدة لاني كنت مرهقا و متعبا و السيدة طلبت ان نلتقي في حانة بمركز المدينة القديمة. بعد ان ارتحت لمدة ساعة تقريبا قررت الخروج الى قهوة قريبة علي اجد بعض الزنجفيل ، لانه الوحيد الذي يجعلني اقاوم هذا التقلب في الجو بين شمس اشبيلية و سماء وارسو التي لا ترسل الا الرياح الباردة ، مقهى بارادوكس ، كان انقلب حانة حيث يحتسي الجميع البيرة و الكوكتيل و لا مجال للسؤال حتى الزنجفيل، عدت ادراجي للفندق لاجد النادلة التي قدمت لي طبق السومون مع كاس بيرة محلية ممتلإ و قد وقفت ، مهذبة جميلة متفانية في عملها ،  فرحت لاني كنت متاكد من انها ستفهم غايتي ، و مباشرة فهمت اني احتاج شاي زنجفيل و طلب ان كنت اريده مع الشاي الاسود او الاخضر ، و طلبته مع الشاي الاخضر و حضرت شايا طيبا ، صاحبة تلك البسمة الهادية الواثقة الجميلة تضع نكهة بسمتها في كل ما تحضره . احتاج الى ليلة صامتة هادئة على بعض الحان بلوز التسعينات ، و قبل ان انام اتذكر غزة و لبنان و كل شعوب كان قدر التايخ و الجغرافيا فيها ان يجعل ابنائها يعانون و لا شعب عاني في الخمسين سنة الاخيرة و لا زال يعاني اكثر من الفلسطينين و قضيتهم  و لبنان و جارهم الجائر ، فلغزة و اهلها سلام و لبيروت مني سلام