Sunday, June 16, 2013

... من موريتانيا

طيلة السنوات الخمس الماضية ، حملتني أسفار لجهات مختلفة، كنت أعبر بجواز سفري الأخضر الذي كتب فيه إسمي بقلم أخضر يبدو أنه من عينة "اشنيدر" . طيلة هذ السنوات كان علي أن أتحمل نظرات شرطي المطار الذي يتساءل من أي أرض جاء هذا؟ ثم أسئلة تتلاحق حول بلد لا يوجد حوله في الإنترنت إلا ما يزيده بعدا في زوايا عالم معقد المعالم اليوم.
تحية ، عبد الله من موريتانيا، مسرور بلقاءك. أو أحيانا أضيف عبارات أخرى حسب الموقف. المهم أن الآخر سيتوقف عند ذلك الإسم. الذي يبدو بالنسبة له غريبا. سيحسب أنه لم يسمعك جيدا ثم يسأل من جديد عفوا ، تقول :موريتانيا و أنت تفهم قضيته.
البعض يصمت و هو ينتظر و قتا يخلو فيه لانترنت لن يجد فيه عن موريتانيا أكثر مما يجد عنها في "بادج" أحطه أنا على عنقي فيه إسم المؤتمر و دوري فيه متحدث أم مقوم أم مشارك.....
البعض يفرض عليه الموقف التفلسف ، فيقول لك : هل هي جزيرة؟ ثم يقول آه ربما هي في اسيا، اخر يبتسم يقول لي: يبدو من ملامحك أنك أسيوي ثم لاتيني ثم يعود عربي. لكن في جغرافية ذاكرته لا توجد دولة بإسم موريتانيا.
آخرون أكثر وضوحا يقول لك الواحد بصراحة أنا لم أسمع بهذا الإسم من قبل، ثم ربما يتدارك الأمر بأن يقول لك حقيقة انا لست مطلعا بشؤون الجغرافيا.
ثم في النهاية أجد نفسي مضطرا لتقديم درس الجغرافية ذلك لكل شخص ما يعتبر حقا أمرا صعبا نوعا ما ، ففي مثل هذه اللقاءات من المفترض أن اللقاءات تكون عملية قليلا لا جغرافية و لا تاريخية.
كل ما حضرته من الفعاليات و المؤتمرات حول الثقافة ، الفن ، الشباب، التنمية ، المناخ كلها
أحيانا يقول البعض نعم شاهدت فيلما عن موريتانيا في البي بي سي عندكم النساء السمينات محبوبات. ثم أحيانا يقول آخر متابع ربما لقناة فرنسية نعم عندكم انقلابات كثيرة. ثم في العالم نواحي مثقفوها و ناشطوها و مفكروها لم يسمعوا اطلاقا عن موريتانيا.
ما فاجأني في لقاء مدعو له حوالي 600 ناشط و فاعل حول العالم حضر أكثر من نصفهم. لم أجد يعرف موريتانيا، إلا عجوزا بريطانيا يدعى بول قرأ عنها مرة، أو عجوزا استراليا حط بالصحراء مرة فسمع أنه غير بعيد منه توجد دولة تسمى موريتانيا، سيدة ألمانية اربعينية معلوماتها الجغرافية جيدة قرأت هي الأخرى عن موريتانيا. أصدقاء القوا نظرة على الانترنت و أتوني بمعلومات صادمة لا تصدق.
السؤال الذي أطرحه دائما من المسؤول؟ هل هي الدولة الموريتانية و سفاراتها و سفراؤها في الخارج و حتى طلابها و رجال أعمالها ممن لا يحملون هم تمثيل الوطن و رفع اسمه و علمه و جعله معروفا حيثما حلوا و ارتحلوا بحيث يقبع السفير في بيته و يأتي على استحياء إلى مقر السفارة ليشرب كأس شاي فيما ينشغل رجال الاعمال بطريقة يحتالون بها على شخص و يهربون و الطلاب بعضهم يخجل من كونه كل مرة يقول موريتانيا لا بد ان يعرف عنها فيدعي بعضهم الانتماء لدول اخرى أو يكتفي بالصمت.
أم أن المسؤول هو ذلك الذي يسأل عن موريتانيا؟ و هو من يحتاج لتدعيم معلوماته الجغرافية. من جهة نعم .

Monday, June 10, 2013

ثورة "الأفـــــــــــــــــــــــــــــــــس EFES / الجزء الثالث


بين خوف من فشل المشروع و طمع في إفشاله
قرأ البعض هذه الخطابات ما يحصل بأن حزب العدالة و التنمية ربما يعيش داخلية حالة توتر أو تجاذب، مرجعا الأمر إلى أن مطالب برزت في الحزب تطالب اردوغان باتاحة الفرصة لشخصية أخرى من الحزب. لكن المنطق ربما يرجع قراءتها في اتجاه آخر خاصة و ان الحزب و لعشر سنين ادار دفة البلاد بحكمة و توازن. الاتجاه الآخر هو أن هذه مناورة لاستيعاب الجميع لكن دون أن يبرز عامل ضعف من أي نوع، بحيث يتم القيام بنوع من تبادل الادوار الذي لا تضيع فيه إطلاقا نية الحكومة تنفيذ ذلك المشروع. و هذا نوع من السياسات يعتمد في العالم أجمع و لعل أكبر الدول التي تعتمد الولايات المتحدة خاصة حينما يتعلق الامر بموقف من قضية دولية بحيث تجد مستشار الرئيس يتحدث بلغة ووزير الخارجية بلغة أخرى ثم الرئيس أحيانا بلهجة أخرى و الجميع يصب في اتجاه واحد سيبرز لاحقا.
جون كيري أقحم نفسه مرات في الوضع، نعم فهذه من الفرص التي لا تكتفي فيها أمريكا بالتفرج إطلاقا ، و علق تعليقات ، جاء الرد عليها مستندا على قاعدة يحق أو لا يحق، و مؤكدا على الحالة الديمقراطية التي تعيشها تركيا. في الخطابات المضادة ، جاءت كلمات كمال كيليتشداراوغلوا  رئيس حزب CHP أهم احزاب المعارضة، بحيث اكد أن تدخل الشرطة جاء استنادا على تعليمات صادرة من أردوغان نفسه، و أكد أنه لا يفهم لماذا أردوغان هو رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس البلدية و المتحكم في كل شيء. و قال أن المتظاهرين كانوا يقرؤون الكتب و يتسامرون و دون سبب أو سابق انذار تدخلت الشرطة. وقال أنه يجب السماح للشباب بأن يعيشوا حياتهم كما يشاؤون و كما يرغبون. و كمظاهر لما يحصل و من بداية الحراك كل مساء وقت الغروب تفتح بعض الأسر نوافذ بيوتها و تدق الطناجر مرددة المطالبة باستقالة أردوغان. الأمر الذي رد عليه الاخير في الخطاب الذي ألقاه عند وصوله عائدا من شمال افريقيا قائلا: نحن لا نحمل الطناجر بل نحمل الحواسيب لنواصل بناء دولتنا. و قال : هذا شيء رأيناه من قبل و سوف ينتهي.

تجدر الإشارة إلى انه بعد الأيام الاولى من الحراك، تدخلت فرقة تسمى "تشارشي" و هي من مشجعي فريق بشكتاش  و لعب الدور الأهم في الأحداث التي حصلت بعد ذلك و تحصل، و ينتشر الآن في شوراع اسطنبول باعة أقنعة الغاز و نظاراته كما كل الجدران و الأضيات تم صبغها بالألوان المختلفة و تمت كتابة شعارات مختلفة عليها، و فيما يرى البعض ان الأحداث لن تطول و سيتم التوصل إلى حل بشأنها، و بأن القضية قضية أيام، يرى البعض الآخر انها ستأخذ وقتا خاصة و أن الفترة فترة الصيف و بداية العطل. و في انتظار ذلك يعاني ملف اسطنبول المقدم لاستضافة أولمبياد 2020 ، و الأشغال متوقفة كليا في منطقة تاكسيم و النقل من و إلى المنطقة صعب بل أحيانا غير ممكن. و يأتي الامر في بداية موسم سياحي كان الكثيرون فيه حول العالم يحزمون حقائبهم إلى اسطنبول.
و عند عودته و في ساعات فجر الجمعة الاولى ، بدا و كأن حزب العدالة و التنمية أراد أن يبعث بطريقة أو بأخرى برسالة إلى الجهة الأخرى، فاحتشد حوالي مائة ألف شخص حول مطار أتاترك لإستقبال أردوغان. و في كلمة له دامت دقائق أكد على أنه و انصاره لا يريدون الصدام مع  و عرج على قضية الخمسين في المائة و قال انه يتحدث إلى اكثر من سبعين مليون تركي. التجاذبات لا تزال في أوجها و الإعلام يحرك كل شيء. على المستوى الخارجي في البرلمان الأوروبي الانتقادات لحزب العدالة و التنمية تتزايد و جون ما كين من امريكا اكد أن اردوغان يتصر كالديكتاتور حسب قوله.
و الحراكات لا زالت متواصلة خاصة في انقرة و ازمير و اسطنبول ، و يرجع المتابعون الأمر إلى أن انقرة و ازمير تضمان العدد الاكبر من مؤيدي المعارضة. و لليوم الحادي عشر الآن تتواصل هذه الأحداث. و انكار الدور الاجنبي و إن كان بشكل غير مباشر لا يمكن تبريره، ففشل حزب العدالة و التنمية يعني إعلانا رسميا لوفاة المشروع الإسلامي السياسي و هو امر يخدم الكثيرين من معارضي هذا المشروع و مناهضيه و حتى المعتقدين بالمطلق في عدم نجاعته. كما أن استمرار هذا المشروع هنا و نجاحه في تحقيقه كل أهدافه على المستويين المحلي و الدولي يبعث برسائل ربما يقرؤها البعض على أنها خطيرة و قد تخل بالتوازن الإقليمي و الدولي القائم على استراتيجيات رسما القوى الحاكمة في العالم و لا تريد أي معطى اقتصادي أو سياسي او ثقافي او اجتماعي يخل بها.
و بين متخوف من فشل المشروع و طامع في ثورة تقتلعه من جذوره، تبقى عشر سنوات تزيد شاهدة على مشروع كل أسهمه خضراء و نهض بأمة و يشهد له أنه الوحيد في المنطقة الذي يتجه للمستقبل. عشر سنوات تشهد على أن هذا المشروع نجح في أن يوازن بين كل المتناقضات و يصهرها كلها في قالب ديمقراطي دستوري يضمن حقوق الجميع.
الديمقراطية ... الثورة .... الديكتاتورية
إن الثورة قيمة أعمق و معطى أدق من أن لا يكون لها سبب وجيه. الثورة ليست وليدة لحظات و لا شعارات و لا خطابات، بل وليدة ظلم و قهر ووضع قاس وليد تشكل بل حالة طحين حد الإنعدام. لا يمكن خلق ثورة من الفراغ. فهي أغلى من ان نبتاعها أو نبيعها في سوق نخاسة سياسي غير نزيه. و الديكتاتورية أوضح من أن ينخدع أي كان بتفسيرات واهية لها و نعوت لا تقوم على أي أساس، و الديمقراطية مهما بلغت مرونتها و مهما أتقن اللعب بها و لي عنقها يبقى لها معنى ناصعا متمثلا في احترام الدستور و الوصول بشرعية إلى الحكم و العمل على مشاريع إنمائية و البراء من اللعب او التلاعب بموارد و مقدرات الشعب و ضمان أفضل مستوى عيش ممكن للمواطن. و إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية محاطة بالثلاثية هذه و تجلياتها نجد بوضوح أنه لا مبرر لثورة إلا إذا كانت ثورة على الديمقراطية و التنمية و التطور، و لا مبرر لإطلاق مصطلح ديكتاتور إلا إذا كنا نحن في افريقيا لا نعرف ما يعنيه أن تكون ديكتاتورا كان عليهم أن يسألونا فلقد جربنا كل انواع الدكتاتوريات. و الديمقراطية كمعطى هي معطى يعيش فيه مجتمع على اختلاف  ايديولوجياته.

تكون مظاهر الثورات مشبعة بشعارات تعدد سلبيات و سيئات الوضع المثار عليه، لكن أن تكون الشعارات فقط  شعارات عامة و المظاهر تتمثل في انتشار قناني الأفس و تداولها مصحوبه بالألعاب النارية و التصفيق و الرقص فالوضع أقرب ما يكون لإحتفال عادي مع قدوم صيف 2013 أكثر من كونه ثورة لولا تخلل الوضع تخريب بعض المصالح العامة و تعطيل مركز حيوي من مراكز مدينة حيوية كانت تستعد لاستقبال زوار صيفها. مع ذلك فإن الوضع يستدعي تفهما و حنكة في تسييره حتى لا ينفلت .

الجزء  الثالث 

ثورة "الأفــــــس EFES"/ الجزء الثاني

العشرية الخضراء

إن حقيقة أن تركيا في ظل هذه الحكومة و في العشر سنوات الأخيرة حققت على كل الصعد نجاحات و انجازات شاهدة ليست كتلك في عالمنا العربي التي نراها فقط في الخطابات و الشعارات. بل أرقام تشهد لها التقارير، من القفز بترتيب تركيا عالميا إلى علاقتها بالبنك الدولي و حضورها على الساحة العالمية و الاقليمية و الوزن الذي صارت تحظى به، فوق ذلك حالة الإكتفاء في مجال التعليم و الصحة و النمو الاقتصادي و المعماري المتسارع. في سنوات عشر تحولت تركيا من الرقم 27 للرقم 17 عالميا ، حقق اقتصادها نموا تصنفه بعض الدراسات على أنه الثاني عالميا بعد الصين، ارتفعت مستويات إجمالي الناتج المحلي بمقدار يزيد عن ثلاثة أضعاف فوصلت 786 مليار دولار أمريكي في عام 2012 بعد أن كانت 231 مليار دولار أمريكي في عام 2002، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى 10504 دولارًا أمريكيًا عن مستواه السابق البالغ 3500 دولار أمريكي في نفس الفترة.

و ساهمت السياسة المتبعة لتسيير الاقتصاد التركي في تعزيز التجارة الخارجية، فوصل حجم الصادرات  153 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2012 بعد أن كان 36 مليار دولار أمريكي في عام 2002. وبالمثل، ارتفعت إيرادات السياحة من 8,5 مليار دولار أمريكي تقريبًا في 2002 لتصل 25 مليار دولار أمريكي في 2012.
   و تعمل الحكومة حاليا على استراتيجية 2023 مشكلة لجنة خبراء استراتيجية بموجبها تكون تركيا ضمن أقوى عشر اقتصادات عالميا إضافة لمشروع مطار سيكون الأكبر في أروبا و شركة طيران مصنفة في المراتب الأولى عالميا و من مستدين تحولت إلى دائن، مع المناورة المحبوكة بخصوص الانضمام لأوروبا و التركيز على البدائل. كل ذلك يشهد به البعيد قبل القريب. إن لكل دولة و أمة الحق في وضع أهدافها و العمل على تحقيقها حتى لو كانت هذه الأهداف لا تخدم الآخر أو لا تسعده، مثلا إن كان لحكومة أردوغان هدف توسعي أو حتى استعماري مع ان استعماري بالمعني التقليدي للكملة ولى زمنها. لكن في العالم العربي لا نصلح لوضع أهداف لنا و لا مسارات، نتقن فقط أن نحلل أهداف الآخرين و نحكم على نياتهم و نقرأ ضمائرهم،  يشتغل الآخر و يبدع و ننشتغل نحن بالحكم على عمله حلال أو حراما، مؤامرة أو متاجرة، ذاك مجال إبداعنا. فيما يبدع الغرب في صياغة العناوين و التقارير و استخدام الشعارات الفارغة لجر كل شيء للطريق التي يريدها.
ثنائية اليأس و الإحباط

إضافة للرباعية السالفة الذكر، كانت المعارضة التركية عموما تعيش حالة نفسية حرجة في ظل يأس مطلق من واقع انجازات محليا و دوليا لا يدع مجالا حتى للأسئلة، فذهبت للموقف من ما يجري في سوريا و قبل هذه الحادثة كان هو كل ما تتحدث عنه المعارضة التركية، بأن الرجل يولي سوريا و أهلها أهمية أكثر مما يوليها لتركيا و شعبها. ثم بعد حادثة الساحة العامة وجدت موجة لتركبها. كابرت في البداية قائلة بأن الاحتجاجات لا علاقة لها بالسياسة و أنها تتعلق بجماعات مدنية بيئية، ثم تجاوزت تلك النقطة، وحين تسأل عن سبب المطالبة برحيل الرجل، تجيب: ديكتاتور. إن مصطلح الدكتاتورية ليس مرنا حتى الآن بقدر ماهي الديمقراطية ليتم لي عنقه حسب هوى معارضة ليس في حالة صحية نفسية متزنة. حين تصل المعارضى لمرحلة تعارض فيها مشاريع النمو و المشاريع الاقتصادية بحجج واهية فمعنى ذلك أنها في أسوأ حالاتها النفسية و تنتابها حالة إحباط و اكتئاب قد تصل حد الإنتحار أو و التضحية بكل شيء حتى وطن يتألم الأجنبي لوضعه القائم قبل المواطن.
إن حالة التوازن التي تعيشها تركيا الآن بحيث تستوعب العلمانية و الاسلام السياسي المعتدل و النظام الاقتصادي الحديث و المعطى التعليمي المتطور، و التجلي الديمقراطي المتماسك هي حالة استثنائية ليست فقط في الشرق الأوسط بل في العالم. لا يعني ذلك أن الحكومة القائمة أو النظام الحاكم نظام مثالي، بل فقط أن الحقيقة التي يلاحظها أي متابع رغم كل الهنات و السقطات و الازمات الاجتماعية المعاشة، إلا أن احترام الدستور و اتباع المعطى الديمقراطي المتزن هو وحده الضامن لحالة النمو و السهم التصاعدي. مادام هنالك احترام للقانون و احترام للسلم الديمقراطي و عمل على تطوير و تحسين مستوى المعيشة و شفافية مطلقة في تسير شؤون الدولة لا مكان لمصطلح الديكتاتورية. الأمر كأن يسألك أحد: لماذا تتظاهر ضد فلان؟ لأنه ليس ديمقراطي. كيف تفهم في ظل معطى يقول بأن الشخص وصل بانتخابات و قام بكل ما يقوم به في ظل القانون و الدستور. حين يتحدث "أردوغان" في تركيا مؤيدوه يستمعون إليه و أغلب معارضيه يقلبون القناة عادة لأن الرجل حين يتكلم يقنع فحين تقول فعلنا و لدينا الإستراتيجية كذا و كذا لنفعل فأنت لا تعرف الطريق. و حين تعارض فقط لتعارض، لست مؤهلا بعد لإستيعاب معطيات الديمقراطية.
أردوغان يريد وضع نقاط على بعض الحروف

في أول ردود فعل الحكومة على تدخل الشرطة، تحدث رئيس الوزراء اردوغان و اعترف و لو ضمنا بما سماه عنف ربما زائد قليلا من الشرطة. و استعرض بعض الأنجازات ، ثم وقف عند قضية "البارك" و قال أنه في العشرية الأخيرة تم إعداد و تأهيل ما يزيد على تسعين ساحة عمومية في اسطنبول وحدها و مؤكدا على الأهمية التي تم  و يتم إيلاؤها للبيئة ،  وعاد ليقول لكن الأمر لا يتعلق بالأشجار بل بالإيديولوجيا و السياسة. بخصوص الخمر، قال أنهم كحكومة مسؤولة عن حماية و أمن الشعب فإن تزايد العنف و ما يسمى "إرهاب الطرقات" مرده الفوضوية في شرب الكحول و أوقات و أماكن استخدامها، و رد على صحفية حين سألت ماذا عن تحريم الخمر؟ قال : هو ليس تحريم بل تنظيم. بموجب هذا القانون سيتم تحريم شرب الخمر على مسافة مائة متر من كل معلم ديني. و يتم ضبط أماكنه بعد الساعة العاشرة ليلا. في مؤتمر لاحق، أكد على نيتهم مواصلة المشروع، مؤكدا أن ما يحصل هو لمصالح أخرى. و  مؤكدا على أهمية المشروع. ثم عاد في خرجة اخرى ليقول بخصوص من يتحدثون عن ربيع تركي، و قال : أنا وصلت إلى هنا بانتخابات ديمقراطية، و قال أن أكثر من نصف هذا الشعب اختاره. ربما لم تكن خرجاته استيعابية بقدر ما كانت خرجات صريحة يضع فيها نقاطا معينة على حروف يشعر أنها مبهمة. بعد هذه الخرجات التي جاءت كلها في صيغة مؤتمرا أو كلمات مقتضبة حلق في رحلته إلى شمال افريقيا، ليستمع في الجزائر إلى شعر من أرض "الكارادانيز" من فتاة جزائرية.
..... يتواصل في الجزء الثالث 

Saturday, June 8, 2013

ثورة "الأفـــــــــــس EFES" - الجزء الأول


بين الإعلام الغربي بكل أباطرته و امبراطورياته  و الإعلام العربي بكل أصنافه قطريه و سعوديه و سنيه و شيعيه يكثر الحديث الآن و تتداول "المانشيستات" على اختلافهما بكل اللغات، الكل يعرف ما يحدث في تركيا الآن و ما سيؤول إليه الوضع فيها. ففي إعلامنا العربي بدأ البعض المقارنة بين ميدان تاكسيم و ميادين العرب التي يبدو أنهم ضاعوا في معالمها مؤخرا و اختطفت منهم كل أشيائها لم يبق لهم منها إلا ذكريات الليالي الجميلة على مراراتها و اللحظات القاسية في ظل اختطاف كل تلك الحراكات و العبث بها على أيادي دخلت في البداية لتعرف أن تتحكم في النهاية. الميادين التي نظر إليها المواطن العربي البسيط بصيص أمل في نهاية نفق مظلم تخبط فيه جوعا و قهرا و ظلما و استعبادا عقودا من الزمن، ليكتشف ذات المواطن لاحقا أنها ككل أشيائه التي سرقت منه و التي أخذت جهارا نهارا، هي الأخرى قد أخذت بليل اختطفها دعاة و عبدة الشعارات الفارغة. و تركوا له منها ويلات هو يتخبط فيها الآن فلا عاد للساحة و الميدان و لا قنع بما هو كائن و يملؤه الخوف مما سيكون و البعض صار ولو في صمت يردد "رحم الله فلان ما أعدله". نفس تلك الوسائل التي أحالت ربيع العرب صيفا حارا قاحلا و موسم حرب باردة بين "قطبين " عربيين يتحركان بأجندة و لأجندة خارجية. هي نفسها التي تريد الآن خلق ربيع تركي. فتطالعك "ليبراسيون " الفرنسية مثلا: أجواء ربيع في تركيا. لا أدري لماذا الصحافة الفرنسية تبدو مهتمة بالطقس و الفصول بشكل كبير جدا. و لماذا مثلا لم تجد فيما حدث في اليونان و اسبانيا ربيعا و لا خريفا و لا صيفا و لا شتاء حتى ؟  و علقت نيورك تايمز و الغارديان و البي بي سي  و غيرها من مؤسسات اعلامية. فين طامع في ثورة و حراك يطيح بالنظام و بين متخوف من سقوط نظام ينظر إليه مثلا أعلى و نموذجا حيا لإمكانية تحقيق مشروعه بين هؤلاء و أولئك كان الجميع ينظر و يترقب و البعض منشغل بالتحليل و التاويل حسب هوى خلفيته . من الطبيعي أن لا يكون حدث مثل هذا في دولة كهذه تصعد السلم بكل ثقة و أناة حديث العالم اجمع و ان لا يكون محل تأويلات و تحليلات و تفسيرات و محاولات للتوجيه، بل عكس ذلك هو الغير طبيعي في عالم يدير الإعلام دفته اليوم. الشيء الوحيد المؤكد هو أن العرب يعرفون فقط كيف يهللون للبعض و يصفقون ثم كيف يلتهمون أحلامهم أم بالأخرى أوهامهم و لديهم قدرة فائقة على  استيعاب الصدمات و مواساة الذات خاصة في ظل التمتع بكتاب و محللين يميلون بدقة و بسرعة البرق حيث تميل الرياح. فبالأمس مثلا كان نصر الله البطل القاهر و اليوم الخائن الغادر و مع ذلك يعرف العربي الذي هلل بالأمس له كيف يواسي نفسه اليوم فيه، ما دام الامر يتعلق فقط بالتحليلات و التأويلات و مراكز البحث الفاشلة على غرار كل المشاريع. تماما ذات العربي الذي نظر لأردوغان يوما مخلصا و رجل مواقف ، هو ذاته سهل جدا أن ينظر اليوم إليه كمخادع و عثماني غادر و طامح للحكم و السيطرة عليهم من جديد. مشكلة العربي ان تفكيره مشبع دوما بأن الآخر يريد السيطرة عليه، فقط لأنه يعاني عقدة الضعف المطلق و يعرف ان السيطرة عليه أسهل ما يمكن القيام به في عالم اليوم. حينما لا نتجاوز العقد نتصرف دائما بطريقة قمة في الغباء و السطحية.
تصادفت هذه الأحداث مع مجموعة أحداث وقعت و تقع في المنطقة و العالم و لعل أهمها الأحداث الجارية في سوريا و المنحى الخطير الذي تأخذه في ظل حالة صراع ثنائية عربية و طائفية عرقية و الحضور الإقليمي و الاستراتيجي الفظيع في القضية.
إن أخطر ما يمكن أن يعانيه أي سياسي حالة الإفلاس و اليأس، حين تجتمع هذه الثنائية فانتظر كل شيء خاصة حين يكون الخلاف إيديولوجي.

يوم الثامن و العشرين من الشهر الجاري و الاعمال مستمرة في في مشروع تطوير منطقة تاكسيم و ساحتها معماريا من خلال بناء نفق و بعض العمارات، في مشروع تقرر منذ فترة و كان الجميع ينتظر نهايته في أقرب أجل، خاصة و أن تاكسيم تعتبر منطقة سياحية حيوية  في مدينة تعيش على السياحة و بدأت صيفها يكشف عن كل سحرها و إثارتها. كان العمال يصلون الليل بالنهار و بدت الأعمال آئلة للنهاية في أقرب أجل. مساء ذلك اليوم اتجه العمال للجانب الآخر ليبدؤوا العمل عليه، كان قبل ذلك من فترة لأخرى يتجمع بعض الأشخاص أمام محطة المترو و كان من ضمن مطالبهم إنهاء الأشغال بسرعة لأنها تعطل المدينة لدرجة ما. في ذلك اليوم و في ميدان غير بعيد من ميدان تاكسيم حيث ينتصب تمثال ل "أتاترك" و حين ينتهي يبدأ شارع الأستقلال و توجد محطة مترو تاكسيم التي تصل أهم جهات المدينة، ميدان يقع على بعد حوالي عشرة أمتار تقريبا إلى عشرين تجمع البعض من الناشطين البيئين محتجين على جانب المشروع المتمثل في إقامة مجمع تجاري، و محمية عسكرية و بعض الملحقات. في اليوم الموالي بدأت المواجهات بين الجانبين حين أرادت الشرطة تفريق المتظاهرين ثم أراد المتظاهرون توقيف العمال عن العمل في الجانب المحاذي حيث كانوا يعملون على اللمسات الأخيرة للنفق و الطريق.

كان ذلك اليوم و الذي تلاه أياما صعبة شهدت مناوشات و صراعات بين الشرطة و المتظاهرين. كانت أول ملاحظة يسجلها متابع بسيط مثلي وضعت الأقدار هذه الأحداث في طريقه بمر بها كل يوم مرتين على الأقل، دخلت السياسة على الخط بسرعة البرق ثم جاءت التراكمات. ففي اليوم الأول كتب المتظاهرون الجمهورية التركية بقناني الخمر الفارغة، ثم في اليوم الثاني رفع قنينات الخمر الفارغة في مسيرة راجلة . صادف الامر تراكمات في الفترة الأخيرة، يمكنها حصرها في خطوات ثلاثة إلى أربعة،. حيث يرددون دائما انه في أحد خطاباته قال: أنتم استمعتم إلى كلام شاربي خمر فلماذا لا تستمعون إلى اوامر الله. و فهم المتابعون أن اللذين تحدث عنهما هنا هما أتارتك و الذي تلاه "إنينو". ثم بعد ذلك قانون كان بصدد الصدور لتنظيم استخدام الخمر في الأماكن العامة، ثم كانت قضية انفجار "الريحانية" الذي راح ضحيته بعض المواطنين الأتراك ثم أعلن نوع من التعتيم الإعلامي حوله يتيح دستور الجمهورية التركية في أحد بنوده للصالح العام. و جاءت قضية تسمية الجسر الذي كان قيد الإنشاء على السلطان ياووز سليم. ثم أضف إلى ذلك تصريحات أردوغان مؤخرا و التي كانت تحمل نبرة التحدي بطريقة أو بأخرى، لكن حقيقة أن كل ما تقوم به الحكومة خاضع لقانون الجمهورية و مطابق لنظامها و يخوله القانون لا أحد يمكن ان ينكرها، إلا لربما سيدة أكاديمية كتبت في مقال لها أن المهم ليس كمية المصوتين بل نوعيتهم ووضعت مقارنة بأن صوتها هي مثلا لا يساوي صوت مواطن بسيط مصنفة مجتمعها ببساطة إلى مواطنين من الدرجة الاولى و الثانية. ..... يتواصل في الجزء الثاني 

Friday, June 7, 2013

الإعلام الموريتاني، فضاء الفوضى و فوضى الفضاء (السمعي البصري) - كامل

ظل الإعلام الموريتاني منذ نشأته الأولى حتى هذه اللحظة فضاء لا يحكمه نظام و لا قانون و لا مهنية و لا موضوعية. رغم تعاقب الحكومات و الأنظمة واختلاف تعاملها مع الإعلام عموما حسب الخلفيات الانقلابية و الانتخابية و المدنية و العسكرية. ظل الإعلام والإعلاميون دوما تلك المؤسسات و الشخوص المتسولة على أبواب الإدارات و المديرين و ذوي السلطة و النفوذ. حتى وصل الأمر درجة صار فيها لقب "صحفي" أو " إعلامي في موريتانيا يعادل أقسى عبارات السب و الشتم و الذم.
ضوابط و محددات ظلت دوما تحكم الإعلام الموريتاني بمؤسساته و هيئاته على غرار كل مؤسسات و هيئات الدولة الأخرى حتى الوزارات، يمكن حصر هذه المحددات في الحضور القوي للقبلية و الجهوية و انعدام الحس الوطني و الواجب أمام الضغط القبلي. فكما وصلت موريتانيا مرحلة تصنف فيه البنوك على السلم القبلي و الشركات و حتى الوزارات فالوزارة كذا للفلانيين و وزارة كذا للفلانيين، كانت المؤسسات الإعلامية هي الأخرى تصنف ذات التصنيف فالمؤسسة كذا و الموقع كذا للفلانيين. رغم صعوبة أن تجد حتى في تلك الكومة الاعلامية الهائلة ما يمكن ان تطلق عليه مؤسسة بكل ما تتطلبه المؤسسة من شروط. بسبب طابع الفوضى و الاهمال و العبثية الفجة من الصعب بمكان تصنيف مراحل مر بها هذا الإعلام بشكل جديد في طريقه ليس للتطور بل للعبثية المطلقة الأكثر اتساعا. إلا أن أهم المراحل يمكن تصنيفها كالتالي:

الجرائد الورقية ... استنفذت قاموس اللغة
فترة الدفق الورقي التي كان فيها بإمكان كل شخص ترخيص جريدة ورقية ناطقة بالعربية أو الفرنسية أو الصينية حتى كل ما يحتاج إليه شخص في وزارة الداخلية و آخر يتابع في العدل و فوق ذلك إن دفع حوالي عشرة آلاف أوقية يحصل على الترخيص بين صباح يوم و مساءه. في هذه المرحلة استنفذت الجرائد الورقية قاموس اللغة العربية على سعته، حتى صرت تجد أسماء غريبة فجاء النهار و الليل و الصباح و الظهر و العشاء و الفجر و الشمس و القمر و ربما هنالك عطارد و المريخ و زهرة ......و الأجمل أن كثيرا من هذه الجرائد لا يرى إسمها إلا في ورقة الترخيص أو بطاقة مهنية يضعها شخص في جيبه يتجاوز بها الشرطة أحيانا و أحيانا يكون لا مناص من "200" أوقية في ذلك العصر الذهبي "للجرائد الورقية" عن تلك التي تنشر لا تجد فيها ما يمت للصحافة بصلة غير إبداعات شباب يهوى الكورل درو أو الفوتوشوب  و يعملون بالمجان تقريبا.
بعد هذه الفترة أنتبه بعض الذي اختاروا طريق الصحافة فاختارت الصحافة طريقا موازيا في الناحية الثانية ، انتبهوا للإعلانات خاصة مع وصول بعض الشركات و شركات الإتصال خاصة، فصار في الأمر مردود و لو أن العمولات ستضعفه جدا جدا، فكل ما تحتاجه الآن هو أن يكون لك قريب في شركة اتصال مثلا أو إقامة افتتحت مؤخرا أو محلا تجاريا، قريبا سيوفر لك إعلانا و لا يعبؤ بمستوى مبيعاتك بل يمكن أن تطبع عددا واحدا من الجريدة توصله للشركة يظهر فيه إعلانها حتى إن لم تفعل القبيلة و القريب هنالك دائما للتدخل. هنا وجد البعض نفسه مضطرا لوضع بعض الأمور في تلك الأوراق الخاوية على عروشها فصار بعض الصحف ينشر المقال و الموضوع في 3 أعداد بشكل متتابع، و يبعث في قمامات الجهاز "الكوربيل" و في الأرشيف عن أي شيء يملؤ به تلك الصفحات. فيما ينشغل المديرون بالمدح و القدح في مجالس الشاي و الانتظار عند بعض البوابات لالتقاط  شائعة أو اختلاق واحدة. في هذه الفترة كانت كل مؤسسة إعلامية متمثلة في مدير.و نجاحها بمستوى علاقاته و خبرته في النفاق و الكذب و التزلف و المدح و القدح و العامل الأهم مدى اتقانه للزمان و المكان الذي يجب فيهما استدعاء القبيلة و سبر أغوار القرابة من بعيد. فيقول للمسؤول مثلا أو المدير: أمي كانت تقيم في بيت رجل أبوه أخو أمك من الرضاعة و و و .... في النهاية : أنت ابن عمي و أنا لم أعلم بذلك.
كانت في هذه الفترة المطبعة الوطنية المرهقة هي الأخرى تلعب دورا ما دام كل شيء يتعلق بالورق لم لا يكون لي أنا حظي، فبدأت باستغلال نفوذها و التعامل مع الجرائد حسب الجهات التي ترعاها و القبيلة التي خلفها و الشخص الذي يدعمها. و كانت بيئة صالحة لذلك بحبرها وورقها الرمادي. و حسب وساطتك يمكن أن يسقط عنك السعر الرمزي الذي يدفع مقابل أعداد معينة من جريدتك.
ثم جاءت محاولة من دولة مرهقة بمعطيات القبيلة والوساطة لتنظيم الاعلام كما قالت: فاشترطوا أن تكون لكل مؤسسة عنوان و مقر، انواكشوط مدينة غير معنونة من السهل أن تضع مثلا شارع ديكول عمارة جاك شيراك و تضع حتى رقم هاتفك كرقم البيت. صار كل يضع في الشوراع و الارقام تماما كما يضع في العناوين في جريدته. في احدى المرات اهتتمت باحصائية و لو تقريبية لكم جريدة مرخصة وصل العدد حوالي 250 جريدة كان حينذاك يمكن رؤية 4 إلى 5 منها تصدر بشكل متقطع.
إذن لم يتعلق الأمر يوما حتى هذه اللحظة بالصحافة و الإعلام أما المهنية و الموضوعية و الصياغة و ما يتعلق بذلك من أمور هي بذخ لسنا في سياقه في هذه الفترة، في هذه الفترة كان المجتمع السائب و منطق القبيلة الرجعي يقول للصحفي: "امسيكين ما إيكر احديدة الا يزكنن" . لكن هو من أعطى عن نفسه تلك الصورة. بملابسه التي تشبه ملابس المتسولين و حضوره المستحي بكل كاريزما الطامعين و الخائفين. و اهتمامه بمكان الحدث و ما إن كان فيه غداء أو عشاء أو قنينة عصير أكثر من اهتمامه بالحدث نفسه و لا حول ماذا يدور؟ إلى هذا الوقت اقتصر حضور بعض الشباب ممن درسوا الإعلام أو ابجدياته على الأقل يقتصر على لمسات يضيفونها في الكواليس مكتفين بقطعة خبز حافية مع كأس شاي لاستهلاك الوقت. كانوا يلتهمون أحلامهم مع قطع الخبز شيئا فشيئا. و أمام مطالب المدير المستجيبة لثنائية الخوف والطمع كانوا يمحون من ذاكراتهم كل ما تعلموه عن الاعلام و تقنياته و ضوابطه.
التلفزيون و الإذاعة هنا استديوهاتنا المركزية
كانت أنذاك تلفزيوننا الوطني مكب نفايات . كان المعيار الوحيد أن لا يكون لك صلة بالإعلام و ملحقاته. كل من لم يحصل على الباكلوريا و يكتب أسمه في الوورد مهندس جنريك، و كل من يعرف أن يزيد الصوت أو يخفضه مهندس صوت، و من يعرف استخدام كاميرا سوني يدوية من الحجم الصغير مصور تلفزيوني. و الإضاءة أضغط أقرب "كونتاكت" إليك و الاستديوهات تشبه مطابخنا الموريتانية. كان كل شيء بلية حتى الضحك. و كانت كل ما يهم تلفزيوننا زار فلان و طار فلان. و لا شيء يخضع لفنية و لا تقنية. و كان هنالك رجالات يخلقون البرامج حسب طلبات التمويل و كل مساء يطالعك برنامج جديد باسم جديد بشخص قديم. و يطالعك الخلل الفني من لحظة لأخرى ثم استبشر الجميع خيرا مع وصول جيل شاب تلقى معظمه تعليما في الخارج و تم تأهيل بعض الكوادر الفنية و الاستعانة بآخرين، لكن ما إن بدأ هذا الجيل يظهر و يقنع حتى برزت ناب القبيلة من جديد معززة بخبرة المحاربين القدامى، فتم التضييق على هؤلاء و عزلهم مهنيا و استمر القادة من فرسان فترة الانحطاط في البروز و تكرار ذات السيناريوه برامج تافهة سخيفة و اكتفوا باعداد ورقة على أنها دراسة برنامج جديد اعتدت قراءة عند صديقي حيث يعد معظم هؤلاء تلك الأوراق مستعينين بخبرة صديقي حتى في كتابة صفحة من الوورد. لم أتفاجا و أنا ألتقي بعض المديرين هناك يعدون دراسة برنامج للأسف ستقع عيني صدفة على حلقة منه الأسبوع الموالي. رويدا رويدا اختفى ذلك الجيل و توارى مستبدلا بجيل جاء على الطريقة التقليدية القبلية معززا بمافيا من رجالات العمولة و القبيلة. و عادت حليمة لعادتها القديمة.
من حسن حظ إذاعتنا أنها حظت بأصوات و رجالات تحملت الويل و الألم و الظلم على مضض فظلت أصواتها تنساب عبر تلك الامواج المموجة، تعطي صورة جميلة عن أشياء قبيحة تحصل داخل ذلك المبنى المنبسط على شارع جمال عبد الناصر. لم تكن كل سوءاتها و عوراتها مكشوفة. و ظلت دائما تخرج خرجات تحسب لها. لا يعني ذلك أنها لم تعاني كغيرها من العمولة و القبيلة و أشخاص يحترقون لا يجنون واحد على مائة مما يجنيه شخص جاء به قريب مدير أو رئيس قطاع لا يعرف بين الألف من الباء. بل كان ذلك يحصل و كانت تلك الأصوات بصبر و صمت تؤدي واجبها محتملة أجرا قد لا يصل مع نهاية الشهر و محتملة سنوات بل عقود من العمل دون عقد عمل و دون أبسط الحقوق.
و لكل هاو موقع ألكتروني
دخلت موضة المواقع الألكترونية الاخبارية بشكل مفاجيء و انتشرت بسرعة فظيعة حتى صارت تقريبا تظهر بمعدل 3 مواقع يوميا. حطمت رقم الجرائد الورقية لعوامل عل أهمها أن الموقع الألكتروني لم يكن يتطلب ترخيصا، كان يكفي أن تفتح موقعا لتكون صحفيا. و تجلس و تقول أنا محرر في موقع كذا أو كاتب صحفي في موقع كذا. بدأت المواقع في استنساخ أسماء الجرائد الورقية خاصة أن تلك أصبحت تبدو و كأنها موضة قديمة.كانت المواقع تتدفق و ينقل بعضها عن بعض و لا فرق بين الخبر من التقرير من العاجل من البطيء. كانت المساحة الأكبر في كل موقع "ساحة إعلانية" تظل فارغة إلى أن يتم تعيين قريب في شركة أو منظمة فيقنع القائمين عليها للإعلان في موقع قريبه.
في المواقع كانت ظاهرة الهواية هي الشعار الأبرز فالمصمم هاو و الصحفي هاو و الخبر هاو بل ساقط أحيانا. نفس التبويبات و المواضيع تتداول بين جميع المواقع . و الساحات و المساحات الإعلانية تنتظر على أمل. يفتح اثنان موقع فيختلفان فيفتح كل منهما موقع و هكذا و بطريقة تبدو جينية و كأنها تتزايد المواقع حتى شهدت انفجارا. كان له متلقفيه ففي مجتمع السيبة و الفراغ و الشائعات من السهل جدا بناء قصة مرتهلة لغويا و بنيويا و ملفقة بشكل قبيح و تعطيها عنوانا لا يمت لها بصلة و تدعي أنك تبدع إعلاميا. في ذات الفترة كان الجميع ينفتح على الفيس بوك تماما كما تنفتح خيامنا على الصحراء. و كان السباق على أشده في حصد آلاف الأصدقاء ثم بعد ذلك مئات "اللايكات" للمواقع. فما إن تدخل حتى يصفعك أحدهم برابط و إسم جديد و يطلب إليك أن تضع "لايك". تماما كما حصل مع الجرائد الورقية حصل مع المواقع الألكترونية الفرق الوحيد أن الواحد كان يدفع من أجل ترخيص الجريدة و الآن بحاجة لصديق أو للدفع أيضا لتصميم الموقع.  و ليس غريبا مثلا أن تجد و احدا من أضعف و أفقر هذه المواقع و قد وجد ما يضعه في بعض المساحات الإعلانية ، فمعنى ذلك أنه منخرط في الضوابط القبلية جيدا و ذا خبرة في العمولة و علومها.
مع انطلاق الحراك في العالم العربي و ما رافقه من تطور كبير في استخدام وسائل الاعلام الاجتماعي و جد القائمون على هذه المواقع انفسهم ينشغلون بالفيس بوك مثلا أكثر من الموقع و رويدا رويدا بقيت تلك المواقع روابط تدخلها فتجد اخر تعديل عليها منذ أشهر ثم بدا أن البعض فقد حتى كلمة السر للدخول إليها. و بقي بعضها صامدا بكل وسائله المرهقة لغة و تصميما و معلومة.
أمام ذلك الوضع كانت أوضاع الموهوبين و المهتمين و حتى الدارسين من الشباب المنشغلين في الاعلام لا تزال حبيسة الاستغلال المفرط من أباطرة العمولة و كأس الشاي، فيأتي الواحد المؤسسة و يكتب و يصمم و يضع اللمسة الفنية ثم يجود عليه المدير و رئيس التحرير و المالك ببضع آلاف لا تخضع لنظام و لا عقد و تبدو صدقة أكثر من كونها راتب مع أنه هو من عمل كل شيء. انقسم هذا الشباب قسمين : قسم رأى في موقع خاص به ربما حلا و آخر حين بدا له الأمر أشبه بافتتاح دكان أعوام التسعينات في العاصمة نواكشوط ثم كافتتاح عيادة أسنان عام 2000 و الاعوام الموالية لها. حين بدا لهم الأمر كذلك فضلوا واقعهم السابق على رداءته و بقوا يعملون و يكدون في الظل و يجني المدير و ابن العم و التاجر و السمسار ثمار سهرهم أمام الشاشات. الذين افتتحوا مواقع أو شاركوا في أخرى لم يشفع لهم ربما تميزهم لأن السوق كانت رديئة لحد لا تميز فيه الخبيث من الطيب. و تحت ضغط واقع ان المعيار كم قريبا لديك ؟ و من أي قبيلة أنت؟ و ما مدى خبرتك في مجال العمولة و السمسرة. تحت ضغط ذلك استسلموا و سلموا و عادوا للأوكار الأولى. مع ثورة لكل هاو موقع ظهرت اتحاد للاعلام الالكتروني أو اثنين إلى ثلاثة على ما اعتقد، كان قبلهما صراعا حادا يدور بين النقابة و الرابطة نقابة الصحفيين و رابطتهم الفرق بين الاثنتين أن الرابطة تضم فيلقا من المحاربين القدامى لا بأس به من المعتزين و المفتخرين بتجربة طالت لسنين لا أعرف بالتحديد إن كانت في الصحافة أم في  في السمسرة أما النقابة فهي تضم بعض الشباب في الغالب أو من محاولي الخروج على النص، و بعض الهواة كما يحلو للآخرين نعتهم أحيانا. المضحك في الامر أن الاثنتين كانتا تتصارعان في حين لم يكن هنالك إعلام يستحق ذاك الصراع .
ثم حرر الفضاء السمعي البصري...
كانت مشكلة الإعلام في موريتانيا أكثر تعقيدا من أي يستطيع أي كان تحليلها و أكثر بساطة من أن يشغل أي كان نفسه بتحليلها. بساطتها تكمن في ان تنظر إليها ليس على أنها إعلام . بل شؤون قبلية و علاقات عامة و عمولة و سمسرة و شيء من ذاك القبيل. فحين تنظر من هذه الزاوية تفهم كل شيء و حين تنظر من الزاوية الاخرى لن تفهم شيء.
في مرحلة ما قال البعض أن المشكلة تكمن في انعدام الكفاءات و الاعتماد فقط على الهواة في المجال الفني الاعلامي و المجالي الاعلامي الصحفي، إلا أنه في تلك الفترة كان بعض الشباب من دارسي الإعلام او العلوم ذات الصلة قد بدأوا يتوافدون من الدول المجاورة مع ذلك لم يتحسن الإعلام و جرف بعضهم التيار القائم فمنهم من ساير التيار و رضي بإيقاعه و منهم من استعصى على التيار و استعصى عليه. فإما وجد مخرجا و قليل ما هم و إما بقي متمسكا بضميره على هامش من المشهد يتأمل و يجرب أحيانا في حيرة. ثم بعد ذلك قيل  في ان الفضاء السمعي البصري رهين للحكومة متمثلا في الاذاعة الوطنية و التلفزيون الوطني و أن تحرير هذا الفضاء لا شك سيأتي بإعلام على المستوى و إعلاميين على المستوى بعيدا عن الطاولات المستديرة و المستطيلة و أمام الميكرفون و خلف الميكروفون و مخرجين لا يشبهون ذلك الذي بلاني الله به ذات مساء في تسجيل لحلقة مع التلفزيون الوطني فأردا التحكم في الأصبع الذي علي أن أضع فيه خاتمي و الطريقة التي علي أن أنظر بها و كيف أتثائب مثلا و كيف أتكلم و كيف أصمت و كيف أنظر و المصور الذي كان يعاملني و كأني "لانس" كاميرته.
تم إعلان تحرير الفضاء السمعي البصري و تم الترخيص لقنوات و إذاعات حرة، في خطوة تستحق الذكر و لم يذكرها إعلام لا يفرق بين الذكر من الكفر مالم يكونا مصحوبين بعشاء عند الأهل و كأس من الشاي و سويعات ضائعة. افتتحت القنوات و الاذاعات، و بعدها عذرنا التلفزيون الوطني فبدا و كأنه كان قمة من الناحية الفنية و من ناحية الفكرة و المواضيع و البرامج. و بدا مخرجوه و منتجوه من خيرة ما قد ينتج أو يخرج حقا. و بدت إذاعتنا هي الأخرى هامة إعلامية أخرى. كان و كأن هدف كل هذه القنوات و الاذاعات فقط أن تقول لنا : يجب أن تحمدوا الله لان لديكم التلفزيون الوطني و الإذاعة الوطنية. أصيب الإعلاميون الشباب و الطامحون بخيبة أمل فظيعة و هم يتفرجون على حلمهم يتحطم على شاشات اعتمدت هي الاخرى نفس الأساليب قنوات للقبيلة و عمال يكتتبون حسب معايير القبيلة و لا مكان للكفاءة حين يتعلق الأمر باستمارة القبيلة في رأسيتها. رغم ذلك لم تجد هذه القنوات بدا من الإستعانة بشباب احترق أعواما يكابد الإعلام في بلد كله ساسة و صحفيون و شعراء و كله فراغ و سيبة. و لم يجد هؤلاء بدا من الاستجابة لدعوات هذه القنوات و حتى و التسابق إليها. الساحل و شنقيط و دافا و المرابطون و كوبني و الاخبار و التنوير موريتانيد و و و
في اول لقطة اهلكت إحدى القنوات الشباب، أشهرا جيئة و ذهابا في شمس نواكشوط و غبرائها و في النهاية قال لهم اذهبوا غير مأسوف عليكم و ألقي بالمدير هو الآخر فقط لأنه أراد الخروج على قوانين القبيلة في التسير و الإدارة. و أراد أن يمارس الإعلام لم يعرف أن الأمر لم يتعلق يوما بالإعلام.
ثم بقي شباب آخرون يتحملون العمل دون عقود، بل حتى ينفقون من جيوبهم لإعداد التقارير و الاخبار و حين يتكلمون يقال لهم قريبا، تأتي العقود و يتم تنظيم العمل نحن فقط نجرب، و تظل تلك قريبا إلى أن يملوا هم و يتعبوا فيذهبوا أو ينتظروا ليرمى بهم ضحايا أول خلاف بسيط.

Thursday, June 6, 2013

الإعلام الموريتاني، فضاء الفوضى و فوضى الفضاء (السمعي البصري) - الجزء الثالث


مع ثورة لكل هاو موقع ظهرت اتحاد للاعلام الالكتروني أو اثنين إلى ثلاثة على ما اعتقد، كان قبلهما صراع حاد يدور بين النقابة و الرابطة نقابة الصحفيين و رابطتهم الفرق بين الاثنتين أن الرابطة تضم فيلقا من المحاربين القدامى لا بأس به من المعتزين و المفتخرين بتجربة طالت لسنين لا أعرف بالتحديد إن كانت في الصحافة أم في  في السمسرة أما النقابة فهي تضم بعض الشباب في الغالب أو من محاولي الخروج على النص، و بعض الهواة كما يحلو للآخرين نعتهم أحيانا. المضحك في الامر أن الاثنتين كانتا تتصارعان في حين لم يكن هنالك إعلام يستحق ذاك الصراع .
ثم حرر الفضاء السمعي البصري...
كانت مشكلة الإعلام في موريتانيا أكثر تعقيدا من أي يستطيع أي كان تحليلها و أكثر بساطة من أن يشغل أي كان نفسه بتحليلها. بساطتها تكمن في ان تنظر إليها ليس على أنها إعلام . بل شؤون قبلية و علاقات عامة و عمولة و سمسرة و شيء من ذاك القبيل. فحين تنظر من هذه الزاوية تفهم كل شيء و حين تنظر من الزاوية الاخرى لن تفهم شيء.
في مرحلة ما قال البعض أن المشكلة تكمن في انعدام الكفاءات و الاعتماد فقط على الهواة في المجال الفني الاعلامي و المجالي الاعلامي الصحفي، إلا أنه في تلك الفترة كان بعض الشباب من دارسي الإعلام او العلوم ذات الصلة قد بدأوا يتوافدون من الدول المجاورة مع ذلك لم يتحسن الإعلام و جرف بعضهم التيار القائم فمنهم من ساير التيار و رضي بإيقاعه و منهم من استعصى على التيار و استعصى عليه. فإما وجد مخرجا و قليل ما هم و إما بقي متمسكا بضميره على هامش من المشهد يتأمل و يجرب أحيانا في حيرة. ثم بعد ذلك قيل  في ان الفضاء السمعي البصري رهين للحكومة متمثلا في الاذاعة الوطنية و التلفزيون الوطني و أن تحرير هذا الفضاء لا شك سيأتي بإعلام على المستوى و إعلاميين على المستوى بعيدا عن الطاولات المستديرة و المستطيلة و أمام الميكرفون و خلف الميكروفون و مخرجين لا يشبهون ذلك الذي بلاني الله به ذات مساء في تسجيل لحلقة مع التلفزيون الوطني فأردا التحكم في الأصبع الذي علي أن أضع فيه خاتمي و الطريقة التي علي أن أنظر بها و كيف أتثائب مثلا و كيف أتكلم و كيف أصمت و كيف أنظر و المصور الذي كان يعاملني و كأني "لانس" كاميرته.
تم إعلان تحرير الفضاء السمعي البصري و تم الترخيص لقنوات و إذاعات حرة، في خطوة تستحق الذكر و لم يذكرها إعلام لا يفرق بين الذكر من الكفر مالم يكونا مصحوبين بعشاء عند الأهل و كأس من الشاي و سويعات ضائعة. افتتحت القنوات و الاذاعات، و بعدها عذرنا التلفزيون الوطني فبدا و كأنه كان قمة من الناحية الفنية و من ناحية الفكرة و المواضيع و البرامج. و بدا مخرجوه و منتجوه من خيرة ما قد ينتج أو يخرج حقا. و بدت إذاعتنا هي الأخرى هامة إعلامية أخرى. كان و كأن هدف كل هذه القنوات و الاذاعات فقط أن تقول لنا : يجب أن تحمدوا الله لان لديكم التلفزيون الوطني و الإذاعة الوطنية. أصيب الإعلاميون الشباب و الطامحون بخيبة أمل فظيعة و هم يتفرجون على حلمهم يتحطم على شاشات اعتمدت هي الاخرى نفس الأساليب قنوات للقبيلة و عمال يكتتبون حسب معايير القبيلة و لا مكان للكفاءة حين يتعلق الأمر باستمارة القبيلة في رأسيتها. رغم ذلك لم تجد هذه القنوات بدا من الإستعانة بشباب احترق أعواما يكابد الإعلام في بلد كله ساسة و صحفيون و شعراء و كله فراغ و سيبة. و لم يجد هؤلاء بدا من الاستجابة لدعوات هذه القنوات و حتى و التسابق إليها. الساحل و شنقيط و دافا و المرابطون و كوبني و الاخبار و التنوير موريتانيد و و و
في اول لقطة اهلكت إحدى القنوات الشباب، أشهرا جيئة و ذهابا في شمس نواكشوط و غبرائها و في النهاية قال لهم اذهبوا غير مأسوف عليكم و ألقي بالمدير هو الآخر فقط لأنه أراد الخروج على قوانين القبيلة في التسير و الإدارة. و أراد أن يمارس الإعلام لم يعرف أن الأمر لم يتعلق يوما بالإعلام.
ثم بقي شباب آخرون يتحملون العمل دون عقود، بل حتى ينفقون من جيوبهم لإعداد التقارير و الاخبار و حين يتكلمون يقال لهم قريبا، تأتي العقود و يتم تنظيم العمل نحن فقط نجرب، و تظل تلك قريبا إلى أن يملوا هم و يتعبوا فيذهبوا أو ينتظروا ليرمى بهم ضحايا أول خلاف بسيط. و لا زال الحال هكذا حتى اليوم. شباب يعملون دون عقود و دون أجور حتى و قنوات دون أي مستوى فني و لا نضج إعلامي و إذاعات تمتهن أحراق المتحمسين و إستغلال الجادين في المهنة و الذين يصدقون أنهم يشتغلون بالإعلام. و لا شيء تغير في الصحف و المواقع و القنوات و الاذاعات أخبار هزيلة في صياغة ضعيفة و لا فرق بين تقرير من خبر من تحقيق. و أمام سطحية المستهلك الوطني المنشغل أساسا بفراغه و أمام حقيقة ان ادائك ليس معيارا لاختيارك للاعلانات مثلا ، لا يجد المدير السمسار نفسه ملزما بتطوير نفسه و لا موقعه و لا جريدته فعلى كل حال هو سيحصل على الإعلان و ستشفع له خبرته في السمسرة في الأوقات الحرجة. و الشباب هؤلاء إلى أن يقيض الله لهم إعلاما خارجا على قوانين القبيلة و طبيعة إعلامها و خارجا عن ضوابط اعلام مجتمع السيبة و الفراغ إلى ان يحدث ذلك لهم أن يشربوا قنينة ماء معدني على طاولة خشبية في مقهى "التوانسة".

الهابا.... و  اعلام الهيبي
رافق تحرير الفضاء السمعي البصري تفعيل للسلطة العليا للسمعيات البصرية، الهدف منها هو تنظيم هذا الفضاء و متابعته و المؤسسات الناشطة فيه و تقييم و تنظيم أدائهم بما يتماشى مع الضوابط و النظم، و في هذا الاتجاه نظمت الهيئة دورات تدريبية و ملتقيات لكنها لا تخرج إطار كأس الشاي و الأحاديث الجانبية على طريقة أبناء الصحراء. حول آخر مستجدات الفلانيين و فلان من أي قبيلة؟ مع ذلك يحسب لها دور لابأس به تقوم لكن يحسب عليها أنها على غرار كل شيء مخترقة من قبل نظام السيبة و العبثية و الفراغ.
فيما تظن "الهابا" أنه تقوم بعملها لا زال إعلامنا يعيش مرحلة "الهيبي Hippy ) و يعيش مجتمعنا بين الهابا و الهيبي. منتظرا إعلاما يجد فيه ذاته ، يقرأ فيه تقارير اجتماعية ناضجة و تحقيقات علمية ثقافية و اقتصادية و يرى تلفزيون تقدم له مادة قابلة للاستهلاك ليس اعلاما يعيش و يقتات من فتات ساسة بين التخريف و التحريف و سياسة و معلومات قائمة على أساس الشائعات مصادرها ركاب الباصات و سائقو التاكسي، و مصدر موثوق جدا جدا قال بعضهم. الهابا أيضا ضاعت في متاهات صندوق دعم الصحافة و ضاع اسمها و شخوصها في بعض التحويلات البنكية، إضافة لتهم وجت إليها بالمحاباة و عدم اتباع معايير واضحة في عملها و خاصة في تسيير صندوق دعم الصحافة، يشار أن هذا الصندوق كان بمثابة البسوس. تم اختيار جهات من الاعلام المستقل لتستفيد منه و احتجت و اعترضت الاخرى و الامر المشترك أن المستفيدين لم يطوروا كادرا بشريا لم يطورا المعدات اللوجستية لم يوفروا تدريبات لا للصحفين و لا الفنين و هم في أمس الحاجة إليها، و الاحتمال الكبير أن الميزانية ذهبت لجيب المدير و رئيس التحرير و السمسار و المقاول.
و لتجد صورة متكاملة لوضع ذاك الإعلام، اكتشف فقط أنه لا نقاط بيع و لا موزعين معتمدين لأي جريدة في أي مكان الأمر كله يتعلق ببعض الأشخاص ممن يعطون عملات تلقاء كل جريدة يبيعونها هنا و هناك و عن تلفزيوناتنا تتفنن في استغلال طاقات الشباب ثم الرمي بهم على الأرصفة بعد ما تحرق ما بهم من حماس و تبدد ما بهم من طاقة و عن مواقعنا سيبة الكترونية،  و عن أكثر المواضيع المتداولة سخافات الساسة على خربشات الهواة مع محاولات الفنين و الناتج موقع أو جريدة أو قناة أو إذاعة من تلك التي عندنا.


Wednesday, June 5, 2013

الإعلام الموريتاني، فضاء الفوضى و فوضى الفضاء (السمعي البصري) - الجزء الثاني



 في هذه الفترة كانت كل مؤسسة إعلامية متمثلة في مدير.و نجاحها بمستوى علاقاته و خبرته في النفاق و الكذب و التزلف و المدح و القدح و العامل الأهم مدى اتقانه للزمان و المكان الذي يجب فيهما استدعاء القبيلة و سبر أغوار القرابة من بعيد. فيقول للمسؤول مثلا أو المدير: أمي كانت تقيم في بيت رجل أبوه أخو أمك من الرضاعة و و و .... في النهاية : أنت ابن عمي و أنا لم أعلم بذلك.
كانت في هذه الفترة المطبعة الوطنية المرهقة هي الأخرى تلعب دورا ما دام كل شيء يتعلق بالورق لم لا يكون لي أنا حظي، فبدأت باستغلال نفوذها و التعامل مع الجرائد حسب الجهات التي ترعاها و القبيلة التي خلفها و الشخص الذي يدعمها. و كانت بيئة صالحة لذلك بحبرها وورقها الرمادي. و حسب وساطتك يمكن أن يسقط عنك السعر الرمزي الذي يدفع مقابل أعداد معينة من جريدتك.
ثم جاءت محاولة من دولة مرهقة بمعطيات القبيلة والوساطة لتنظيم الاعلام كما قالت: فاشترطوا أن تكون لكل مؤسسة عنوان و مقر، انواكشوط مدينة غير معنونة من السهل أن تضع مثلا شارع ديكول عمارة جاك شيراك و تضع حتى رقم هاتفك كرقم البيت. صار كل يضع في الشوراع و الارقام تماما كما يضع في العناوين في جريدته. في احدى المرات اهتتمت باحصائية و لو تقريبية لكم جريدة مرخصة وصل العدد حوالي 250 جريدة كان حينذاك يمكن رؤية 4 إلى 5 منها تصدر بشكل متقطع.
إذن لم يتعلق الأمر يوما حتى هذه اللحظة بالصحافة و الإعلام أما المهنية و الموضوعية و الصياغة و ما يتعلق بذلك من أمور هي بذخ لسنا في سياقه في هذه الفترة، في هذه الفترة كان المجتمع السائب و منطق القبيلة الرجعي يقول للصحفي: "امسيكين ما إيكر احديدة الا يزكنن" . لكن هو من أعطى عن نفسه تلك الصورة. بملابسه التي تشبه ملابس المتسولين و حضوره المستحي بكل كاريزما الطامعين و الخائفين. و اهتمامه بمكان الحدث و ما إن كان فيه غداء أو عشاء أو قنينة عصير أكثر من اهتمامه بالحدث نفسه و لا حول ماذا يدور؟ إلى هذا الوقت اقتصر حضور بعض الشباب ممن درسوا الإعلام أو ابجدياته على الأقل يقتصر على لمسات يضيفونها في الكواليس مكتفين بقطعة خبز حافية مع كأس شاي لاستهلاك الوقت. كانوا يلتهمون أحلامهم مع قطع الخبز شيئا فشيئا. و أمام مطالب المدير المستجيبة لثنائية الخوف والطمع كانوا يمحون من ذاكراتهم كل ما تعلموه عن الاعلام و تقنياته و ضوابطه.
التلفزيون و الإذاعة هنا استديوهاتنا المركزية
كانت أنذاك تلفزيوننا الوطني مكب نفايات . كان المعيار الوحيد أن لا يكون لك صلة بالإعلام و ملحقاته. كل من لم يحصل على الباكلوريا و يكتب أسمه في الوورد مهندس جنريك، و كل من يعرف أن يزيد الصوت أو يخفضه مهندس صوت، و من يعرف استخدام كاميرا سوني يدوية من الحجم الصغير مصور تلفزيوني. و الإضاءة أضغط أقرب "كونتاكت" إليك و الاستديوهات تشبه مطابخنا الموريتانية. كان كل شيء بلية حتى الضحك. و كانت كل ما يهم تلفزيوننا زار فلان و طار فلان. و لا شيء يخضع لفنية و لا تقنية. و كان هنالك رجالات يخلقون البرامج حسب طلبات التمويل و كل مساء يطالعك برنامج جديد باسم جديد بشخص قديم. و يطالعك الخلل الفني من لحظة لأخرى. ثم استبشر الجميع خيرا مع وصول جيل شاب تلقى معظمه تعليما في الخارج و تم تأهيل بعض الكوادر الفنية و الاستعانة بآخرين، لكن ما إن بدأ هذا الجيل يظهر و يقنع حتى برزت ناب القبيلة من جديد معززة بخبرة المحاربين القدامى، فتم التضييق على هؤلاء و عزلهم مهنيا و استمر القادة من فرسان فترة الانحطاط في البروز و تكرار ذات السيناريوه برامج تافهة سخيفة و اكتفوا باعداد ورقة على أنها دراسة برنامج جديد اعتدت قراءة عند صديقي حيث يعد معظم هؤلاء تلك الأوراق مستعينين بخبرة صديقي حتى في كتابة صفحة من الوورد. لم أتفاجا و أنا ألتقي بعض المديرين هناك يعدون دراسة برنامج للأسف ستقع عيني صدفة على حلقة منه الأسبوع الموالي. رويدا رويدا اختفى ذلك الجيل و توارى مستبدلا بجيل جاء على الطريقة التقليدية القبلية معززا بمافيا من رجالات العمولة و القبيلة. و عادت حليمة لعادتها القديمة.
من حسن حظ إذاعتنا أنها حظت بأصوات و رجالات تحملت الويل و الألم و الظلم على مضض فظلت أصواتها تنساب عبر تلك الامواج المموجة، تعطي صورة جميلة عن أشياء قبيحة تحصل داخل ذلك المبنى المنبسط على شارع جمال عبد الناصر. لم تكن كل سوءاتها و عوراتها مكشوفة. و ظلت دائما تخرج خرجات تحسب لها. لا يعني ذلك أنها لم تعاني كغيرها من العمولة و القبيلة و أشخاص يحترقون لا يجنون واحد على مائة مما يجنيه شخص جاء به قريب مدير أو رئيس قطاع لا يعرف بين الألف من الباء. بل كان ذلك يحصل و كانت تلك الأصوات بصبر و صمت تؤدي واجبها محتملة أجرا قد لا يصل مع نهاية الشهر و محتملة سنوات بل عقود من العمل دون عقد عمل و دون أبسط الحقوق.
و لكل هاو موقع ألكتروني
دخلت موضة المواقع الألكترونية الاخبارية بشكل مفاجيء و انتشرت بسرعة فظيعة حتى صارت تقريبا تظهر بمعدل 3 مواقع يوميا. حطمت رقم الجرائد الورقية لعوامل عل أهمها أن الموقع الألكتروني لم يكن يتطلب ترخيصا، كان يكفي أن تفتح موقعا لتكون صحفيا. و تجلس و تقول أنا محرر في موقع كذا أو كاتب صحفي في موقع كذا. بدأت المواقع في استنساخ أسماء الجرائد الورقية خاصة أن تلك أصبحت تبدو و كأنها موضة قديمة.كانت المواقع تتدفق و ينقل بعضها عن بعض و لا فرق بين الخبر من التقرير من العاجل من البطيء. كانت المساحة الأكبر في كل موقع "ساحة إعلانية" تظل فارغة إلى أن يتم تعيين قريب في شركة أو منظمة فيقنع القائمين عليها للإعلان في موقع قريبه.
في المواقع كانت ظاهرة الهواية هي الشعار الأبرز فالمصمم هاو و الصحفي هاو و الخبر هاو بل ساقط أحيانا. نفس التبويبات و المواضيع تتداول بين جميع المواقع . و الساحات و المساحات الإعلانية تنتظر على أمل. يفتح اثنان موقع فيختلفان فيفتح كل منهما موقع و هكذا و بطريقة تبدو جينية و كأنها تتزايد المواقع حتى شهدت انفجارا. كان له متلقفيه ففي مجتمع السيبة و الفراغ و الشائعات من السهل جدا بناء قصة مرتهلة لغويا و بنيويا و ملفقة بشكل قبيح و تعطيها عنوانا لا يمت لها بصلة و تدعي أنك تبدع إعلاميا. في ذات الفترة كان الجميع ينفتح على الفيس بوك تماما كما تنفتح خيامنا على الصحراء. و كان السباق على أشده في حصد آلاف الأصدقاء ثم بعد ذلك مئات "اللايكات" للمواقع. فما إن تدخل حتى يصفعك أحدهم برابط و إسم جديد و يطلب إليك أن تضع "لايك". تماما كما حصل مع الجرائد الورقية حصل مع المواقع الألكترونية الفرق الوحيد أن الواحد كان يدفع من أجل ترخيص الجريدة و الآن بحاجة لصديق أو للدفع أيضا لتصميم الموقع.  و ليس غريبا مثلا أن تجد و احدا من أضعف و أفقر هذه المواقع و قد وجد ما يضعه في بعض المساحات الإعلانية ، فمعنى ذلك أنه منخرط في الضوابط القبلية جيدا و ذا خبرة في العمولة و علومها.
مع انطلاق الحراك في العالم العربي و ما رافقه من تطور كبير في استخدام وسائل الاعلام الاجتماعي و جد القائمون على هذه المواقع انفسهم ينشغلون بالفيس بوك مثلا أكثر من الموقع و رويدا رويدا بقيت تلك المواقع روابط تدخلها فتجد اخر تعديل عليها منذ أشهر ثم بدا أن البعض فقد حتى كلمة السر للدخول إليها. و بقي بعضها صامدا بكل وسائله المرهقة لغة و تصميما و معلومة.
أمام ذلك الوضع كانت أوضاع الموهوبين و المهتمين و حتى الدارسين من الشباب المنشغلين في الاعلام لا تزال حبيسة الاستغلال المفرط من أباطرة العمولة و كأس الشاي، فيأتي الواحد المؤسسة و يكتب و يصمم و يضع اللمسة الفنية ثم يجود عليه المدير و رئيس التحرير و المالك ببضع آلاف لا تخضع لنظام و لا عقد و تبدو صدقة أكثر من كونها راتب مع أنه هو من عمل كل شيء. انقسم هذا الشباب قسمين : قسم رأى في موقع خاص به ربما حلا و آخر حين بدا له الأمر أشبه بافتتاح دكان أعوام التسعينات في العاصمة نواكشوط ثم كافتتاح عيادة أسنان عام 2000 و الاعوام الموالية لها. حين بدا لهم الأمر كذلك فضلوا واقعهم السابق على رداءته و بقوا يعملون و يكدون في الظل و يجني المدير و ابن العم و التاجر و السمسار ثمار سهرهم أمام الشاشات. الذين افتتحوا مواقع أو شاركوا في أخرى لم يشفع لهم ربما تميزهم لأن السوق كانت رديئة لحد لا تميز فيه الخبيث من الطيب. و تحت ضغط واقع ان المعيار كم قريبا لديك ؟ و من أي قبيلة أنت؟ و ما مدى خبرتك في مجال العمولة و السمسرة. تحت ضغط ذلك استسلموا و سلموا و عادوا للأوكار الأولى. مع ثورة لكل هاو موقع ظهرت اتحاد للاعلام الالكتروني أو اثنين إلى ثلاثة على ما اعتقد، كان قبلهما صراعا حادا يدور بين النقابة و الرابطة نقابة الصحفيين و رابطتهم الفرق بين الاثنتين أن الرابطة تضم فيلقا من المحاربين القدامى لا بأس به من المعتزين و المفتخرين بتجربة طالت لسنين لا أعرف بالتحديد إن كانت في الصحافة أم في  في السمسرة أما النقابة فهي تضم بعض الشباب في الغالب أو من محاولي الخروج على النص، و بعض الهواة كما يحلو للآخرين نعتهم أحيانا. المضحك في الامر أن الاثنتين كانتا تتصارعان في حين لم يكن هنالك إعلام يستحق ذاك الصراع


\\\\\\\\ يتواصل في الجزء الثالث ...... 

Tuesday, June 4, 2013

الإعلام الموريتاني، فضاء الفوضى و فوضى الفضاء (السمعي البصري) - الجزء الأول



ظل الإعلام الموريتاني منذ نشأته الأولى حتى هذه اللحظة فضاء لا يحكمه نظام و لا قانون و لا مهنية و لا موضوعية. رغم تعاقب الحكومات و الأنظمة واختلاف تعاملها مع الإعلام عموما حسب الخلفيات الانقلابية و الانتخابية و المدنية و العسكرية. ظل الإعلام والإعلاميون دوما تلك المؤسسات و الشخوص المتسولة على أبواب الإدارات و المديرين و ذوي السلطة و النفوذ. حتى وصل الأمر درجة صار فيها لقب "صحفي" أو " إعلامي في موريتانيا يعادل أقسى عبارات السب و الشتم و الذم.

ضوابط و محددات ظلت دوما تحكم الإعلام الموريتاني بمؤسساته و هيئاته على غرار كل مؤسسات و هيئات الدولة الأخرى حتى الوزارات، يمكن حصر هذه المحددات في الحضور القوي للقبلية و الجهوية و انعدام الحس الوطني و الواجب أمام الضغط القبلي. فكما وصلت موريتانيا مرحلة تصنف فيه البنوك على السلم القبلي و الشركات و حتى الوزارات فالوزارة كذا للفلانيين و وزارة كذا للفلانيين، كانت المؤسسات الإعلامية هي الأخرى تصنف ذات التصنيف فالمؤسسة كذا و الموقع كذا للفلانيين. رغم صعوبة أن تجد حتى في تلك الكومة الاعلامية الهائلة ما يمكن ان تطلق عليه مؤسسة بكل ما تتطلبه المؤسسة من شروط. بسبب طابع الفوضى و الاهمال و العبثية الفجة من الصعب بمكان تصنيف مراحل مر بها هذا الإعلام بشكل جديد في طريقه ليس للتطور بل للعبثية المطلقة الأكثر اتساعا. إلا أن أهم المراحل يمكن تصنيفها كالتالي:

الجرائد الورقية ... استنفذت قاموس اللغة
فترة الدفق الورقي التي كان فيها بإمكان كل شخص ترخيص جريدة ورقية ناطقة بالعربية أو الفرنسية أو الصينية حتى كل ما يحتاج إليه شخص في وزارة الداخلية و آخر يتابع في العدل و فوق ذلك إن دفع حوالي عشرة آلاف أوقية يحصل على الترخيص بين صباح يوم و مساءه. في هذه المرحلة استنفذت الجرائد الورقية قاموس اللغة العربية على سعته، حتى صرت تجد أسماء غريبة فجاء النهار و الليل و الصباح و الظهر و العشاء و الفجر و الشمس و القمر و ربما هنالك عطارد و المريخ و زهرة ......و الأجمل أن كثيرا من هذه الجرائد لا يرى إسمها إلا في ورقة الترخيص أو بطاقة مهنية يضعها شخص في جيبه يتجاوز بها الشرطة أحيانا و أحيانا يكون لا مناص من "200" أوقية في ذلك العصر الذهبي "للجرائد الورقية" عن تلك التي تنشر لا تجد فيها ما يمت للصحافة بصلة غير إبداعات شباب يهوى الكورل درو أو الفوتوشوب  و يعملون بالمجان تقريبا.

بعد هذه الفترة أنتبه بعض الذي اختاروا طريق الصحافة فاختارت الصحافة طريقا موازيا في الناحية الثانية ، انتبهوا للإعلانات خاصة مع وصول بعض الشركات و شركات الإتصال خاصة، فصار في الأمر مردود و لو أن العمولات ستضعفه جدا جدا، فكل ما تحتاجه الآن هو أن يكون لك قريب في شركة اتصال مثلا أو إقامة افتتحت مؤخرا أو محلا تجاريا، قريبا سيوفر لك إعلانا و لا يعبؤ بمستوى مبيعاتك بل يمكن أن تطبع عددا واحدا من الجريدة توصله للشركة يظهر فيه إعلانها حتى إن لم تفعل القبيلة و القريب هنالك دائما للتدخل. هنا وجد البعض نفسه مضطرا لوضع بعض الأمور في تلك الأوراق الخاوية على عروشها فصار بعض الصحف ينشر المقال و الموضوع في 3 أعداد بشكل متتابع، و يبعث في قمامات الجهاز "الكوربيل" و في الأرشيف عن أي شيء يملؤ به تلك الصفحات. فيما ينشغل المديرون بالمدح و القدح في مجالس الشاي و الانتظار عند بعض البوابات لالتقاط  شائعة أو اختلاق واحدة. في هذه الفترة كانت كل مؤسسة إعلامية متمثلة في مدير.و نجاحها بمستوى علاقاته و خبرته في النفاق و الكذب و التزلف و المدح و القدح و العامل الأهم مدى اتقانه للزمان و المكان الذي يجب فيهما استدعاء القبيلة و سبر أغوار القرابة من بعيد. فيقول للمسؤول مثلا أو المدير: أمي كانت تقيم في بيت رجل أبوه أخو أمك من الرضاعة و و و .... في النهاية : أنت ابن عمي و أنا لم أعلم بذلك...... ج1 يتواصل .............

Saturday, June 1, 2013

تركيا : البيئة و الخمر و الجسر و و و

منذ أيام و مظاهرات على أشدها في منطقة تاكسيم و ما جاورها، تاكسيم و التي تعتبر من مراكز السياحة في اسطنبول و التي تضم ميدان تاكسيم إضافة لشارع الاستقلال و هو من اشهر شوارع التسوق في اسطنبول.
بدأت المظاهرات من "بارك تاكسيم" كردة فعل على انشاء الحكومة مجمع تجاري في البارك ما يستدعي اقتلاع حوالي 5 شجرات في الساحة و استغلالها للغرض. كان التجمع نشاطا بيئيا يرفض استغلال الساحة، في ظرف يوم إلى اثنين رفع المحتجون قاروات الخمر و صار الاحتجاج ضد قانون تزمع الحكومة سنه بخصوص تحريم الخمر في بعض الاماكن و بعض الأوقات، ثم بعد ذلك جاءت تسمية الجسر الثالث الأهم في المدينة على السلطان ياوز سليم و هو امر آخر مثار جدل.
ما حصل أنه في النهاية و بعد وصول رئيس حزب CHP ثم توالي قادة الحزب بعد ذلك و تحول الحراك إلى حراك سياسي إيديولوجي، مطلبه الأكبر حسب ما ردد البعض إزالة الحكومة القائمة. المناوشات منذ أيام مستمرة في الميدان و في منطقة بشكتاش و حربية و بعض المناطق المجاورة بين المتظاهرين و الشرطة، وتصل في بعض الأحيان مراحل خطيرة جدا.
في تعليق له على ما يحصل قال رئيس الوزارء التركي رجب طيب اردوغان في كلمة القاها ظهر اليوم، أن التظاهرة لا علاقة لها بقضية المجمع التجاري و لا البيئة و ان الحراك إيديولوجي سياسي محرك. و قد مقارنات بخصوص تاريخ انتزاع الاشجار و كيف عملت حكومته على فتح باركات عامة و ساحات خضراء معددا بعض أهم الساحات التي تشكل رئة حقيقة لمدينة باكتظاظ اسطنبول. ثم معرجا على عمل الشرطة أشار إلى أنها ربما بالغت قليلا لكن أكد انها ستتدخل دائما لضمان امن و استقرار الدولة.
الحراك الذي بدأ يرفع صوته برحيل الحكومة يعتبر في ظاهره حراكا لكنه في الحقيقة المطلقة هو تعبير عن حالة من اليأس و العجز تعيشها المعارضة القائمة مردها قدرة الحكومة القائمة و الحزب على إدارة كل جوانب اللعبة السياسية بشكل ديمقراطي و دستوري، معتمدة بالتوازي مع ذلك على معطيات اقتصادية ترفع أسهمها محليا و دوليا. لا يعني ذلك أن هذه الحكومة مثالية و أن قدر تركيا أن تعيش معها. بل يعني أننا حين نلعبها بالديمقراطية و الحريات فعلينا الإعتراف بأن هؤلاء بطريقة أو باخرى توصلوا لمرحلة التحكم في الأمور و ادراتها بشكل معقلن لا ينادي الديمقراطية بقيمها و لا ينافي الدستور و معطياته. فيأسنا لا يجب أن يدفعنا لنضحي باسم و سمعة دولة. "و خلونا ديمقراطيين" إذا كانت هذه الحكومة كلها سوءات وسيئات جاءت بطريقة ديمقراطية دعونا نزيلها بطريقة ديمقراطية محترمين أمثلتنا العليا في الحياة الاجتماعية و الثقافية و السياسية. لا نعتمد اسلوب الغوغائية المطلق و التقاط السقطات فهو اسلوب العاجزين فقط.
يقول المتظاهرون أو بعضهم ان الأمر الآن أصبح حراكا ضد مجموعة خطوات أقدمت عليها الحكومة هذه في الفترة الأخيرة، من قضية الانفجار في مدينة ريحانه، لخطاب لاردوغان قرأه البعض على أنه إساءة لأتاترك و إينونو و افتراء عليهما، لقانون الحد من معاقرة الخمر الذي لا زال هو الآخر سيثير ضجة أكبر لربما. لكن الحقيقي و الذي يفهمه حتى البعض من هؤلاء هو أن الحكومة تفعل ما تفعل تبعا لما يمليه الدستور و القانون حتى و إن غيرت في الاخيرين فهي تغير فيهم بطريقة دستورية و الحل هو إيجاد طريقة لإزالتها بالصناديق كما جاءت بالصناديق. و على رأي صديقي المعارض الكبير لأردوغان و حكومته، أنا لا أريد لتركيا أن تكون مصر أخرى و لا تونس، الرجل و حكومته حصولا على الأغلبية في الانتخابات و اخذوا بلدية اسطنبول بالأغلبية بأكثر من خمسين في المائة إن كنا نريد إزالتهم على إيزالتهم بالصناديق و الانتخابات كما وصلوا بها.
أما عن العرب و مثقفيهم فهؤلاء دعوهم للنهيق و الشهيق و التصفيق هنا و هناك دون إدراك لحقيقة أي شيء و بإسقاطات قمة في السخف و مثيرة للإشمئزاز.
أن أصل بالديمقراطية و أفعل ما أفعل بمطابقة القانون و الدستور ، فالطريقة الوحيدة لإزالة هي عن طريق الصندوق و الديمقراطية و من يعيش حالة يأس أو عجز أو حالة نفسية عليه معالجتها بعيدا. و لا ينسى أنه ينادي باسلوب الديمقراطية و الحقوق وا لحرية.

560 عاما على فتح اسطنبول





في منتصف الدرس تقريبا تذكرت الأستاذة أنها لم تكتب تاريخ اليوم على الطرف العلوي الأيمن من السبورة كماهي غير معتادة دوما. حين كتب تاريخ 29 مايو 2013 بالتركية ، القى الإفريقي بسؤال كان يختمر في رأسه و هو قد رأى بعض الحراك في المدينة في ذلك اليوم. قال : هل يمثل هذا اليوم أي شيء؟ ردت الأستاذة بسرعة: لا يوم عادي جدا.
هنا تدخلت بكل براءة افريقيا و اطلاعها و قلت بطريقة تليق بمخاطبة استاذة: أظن أنه يصادف فتح مدينة اسطنبول و اضاف الصديق الشرق أوسطي تعليقا توضيحيا للحالة. تجهل الأستاذة أو تتجاهل حدثا ما كان ليخفى على افريقي قادم من اعماق بوجمبورا في بوروندي و لا آخر رمت به ادغال كيغالي في رواندا رمت بهما إلى شاطي مرمرة و البحر الأسود.
بعد ذلك دعاني الصديق الشرق أوسطي بطريقة اقتراحية ، إن كنت سأذهب لاحتفالية تنظم ذات المساء بالمناسبة على ساحل بالاتا. ساحل جميل يمتد قبيل الوصول إلى جامع أيوب سلطان. رددت رغم أن النشاط يكسر اجندة ذالك المساء رددت بالقبول فهي فرصة جميلة لحضور شيء مختلف جديد في مدينة لا زلت استكشف حجرها و يختبر صبري بشرها.
استغرب صديقي المعبأ بأشياء رواندا و انسانية افريقيا ، كون الاستاذة لا تعرف شيئا عن الحدث رغم أنه بدا له مهما و طلب إلي توضيحا حول عملية الفتح تلك و كيف اخذت المدينة أصلا و كيف تمت استعادتها. في ردي عليه اشرت إلى حالة انفصامية يعيشها المجتمع بين شقين. و عرجت على أن من يجهل أو يتجاهل حدثا كفتح مدينة اسطنبول لأي سبب كان فكري أو سياسي أو أو فهو فقط شخص ضائع لأن تجاهل ذلك الحدث يعني ضمنا إنكار مدينة كاسطنبول و انكار مدينة كاسطنبول يعني اهمال تركيا.
إن الإنسان يصل أسوأ حالاته حين يحاول انكار أو تجاهل جزء من تاريخه و يحاول مع ذلك أن يكون ذاتا و كائنا . إن الفروع لا تقوم دون مصادرها و المدن لا تكون دون تواريخها و الشعوب لا تملك أن تمحو التواريخ حسب مزاجاتها. كل مرحلة من تاريخ الانسان يجب أن تكون مصدر فخر له لأنها ببساطة غير قابلة للمحو و لا للتغيير.
بعد زحمة المساء و اتصالات التقيت و صديقي في محطة المتروباص و اتجهنا لذات المكان, تم نصب شاشة عملاقة في عمق البحر و احيطت بأصواء تنبعث من بواخر صغيرة مرابطة و موزعة بشكل جميل في اطراق البحيرة. ثم بدأ العرض بالاضواء كانت اضواء باهرة و العاب الماء و موسيقى تشعرك بحالة من الفخر. جميل أن تستحضر عظمائك  و انت تعمل لتعود و بين ان تستحضرهم و انت في الحضيض متغنيا بهم فقط اسطوانة مشروخة حال شعوبنا ف يالعالم العربي.
قدم عرض حول الفاتح و الفتح و مقطوعات شعرية و العاب مائية و ضوئية تخلب الألباب. و انضم إلينا صديق ثالث. مرهق رجعت أفكر ، كيف يمكن لإنسان أن يحاول فقط أن ينسى جزء لا يعتبر فقط من تاريخه بل هو كينونته و ذاته.
560 عاما مضت منذ دخل الفاتح مدينة اسطنبول فاتحا. الآن في جامع الفاتح في منطقة الفاتح في اسطنبول يرقد جثمانه. محاطا بهيبة تليق به.